تجلى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية أمته في كل خطوة من خطوات دعوته، منذ البداية وحتى آخر لحظة في حياته:
- الدعوة السرية والعلنية: بدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوته سراً لثلاث سنوات، يلتقي بأفراد المجتمع واحداً تلو الآخر، يخاطبهم بلين ورفق، مدركاً طبيعة البيئة الجاهلية التي يعيش فيها. كان يحرص على هداية كل فرد على حدة، مما يؤكد حرصه على هداية أمته فرداً فرداً، وليس ككتلة مجهولة.
- تحمل الأذى في سبيل الهداية: عندما أعلن دعوته، قابلته قريش بأشد أنواع الأذى والاضطهاد. لقد سُبَّ وشُتم، وأُلقيَ سلى الجزور على ظهره وهو ساجد، وحوصر في شعب أبي طالب. ومع كل هذا، لم يكن همه إلا هدايتهم. فحين ذهب إلى الطائف ليدعوهم، رُجموا قدميه حتى سالت الدماء، فدعا لهم بالهداية قائلاً: «اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ».
- الرحمة واللين في التعامل: كان خلقه القرآن، يتعامل باللين لا بالغلظة، وبالرحمة لا بالقسوة. يقول تعالى عنه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}. كان حرصه على هداية أمته يمنعه أن ينفر الناس بشدة أو قسوة.
حرص النبي على هداية أمته من خلال التربية والتعليم
لم يكن هدف النبي صلى الله عليه وسلم مجرد إدخال الناس في الإسلام شكلياً، بل كان يحرص على هداية أمته لطريق الحق المستمر، وذلك من خلال:
- التعليم المستمر: كان صلى الله عليه وسلم معلماً لأصحابه، يغرس فيهم مبادئ الإسلام وقيمه. كانت مجالسه مدارس متجددة، يعلمهم القرآن، ويبين لهم الحلال والحرام، ويؤدبهم بآداب الإسلام. كان حرصه على هدايتهم يعني حرصه على تعليمهم.
- التوجيه النبوي في كل صغيرة وكبيرة: لم يترك جانباً من جوانب الحياة إلا وأرشد أمته إليه. من كيفية النوم والأكل والشرب إلى كيفية إدارة الدولة والحرب والسلم. هذا التفصيل دليل على شمولية هدايته صلى الله عليه وسلم وحرصه على أن تسير أمته على طريق واضح لا عوج فيه.
- استخدام الأساليب المتنوعة في التعليم: كان يستخدم القصص، والأمثال، والقدوة العملية، والسؤال والجواب، ليصل المعلومة إلى قلب كل صحابي وفق استعداده وفهمه. هذا التنوع من أجل الهداية والفهم.
حرص النبي على هداية أمته حتى في لحظاته الأخيرة
أعظم دليل على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية أمته هو موقفه في آخر لحظات حياته. ففي يوم الاثنين الذي قبض فيه، وفي سكرات الموت، كان همه الأكبر هو أمته. خرج إلى الصحابة وهم يصلون الصبح، فكشف ستر حجرة عائشة وهو يبسم لهم، وكأنه يودعهم ويطمئن عليهم. وكان آخر ما أوصى به: «الصَّلاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ». حتى في تلك اللحظة الحرجة، كان حرصه على هداية أمته وتبليغهم ما ينفعهم هو شغله الشاغل.
كيف نجعل حرص النبي على هدايتنا دافعاً لنا؟
إن حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية أمته يجب ألا يكون مجرد قصة نقرأها، بل يجب أن يكون:
- دافعاً للالتزام بسنته: فمن أعظم مظاهر شكرنا لحرصه على هدايتنا أن نحرص نحن على اتباع منهجه وسنته.
- حافزاً للدعوة إلى الله: كان صلى الله عليه وسلم القدوة في الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة. حرصه على هداية الناس يجب أن يورث فينا نفس الحرص على دعوة الآخرين بالطريقة ذاتها.
- سبباً في محبته: فمن علم مدى حرص هذا النبي الرحيم على هدايته، لا بد أن يمتلئ قلبه محبة ووفاء له.
ختاماً، فإن حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية أمته كان نابعاً من رحمة الله به وبالبشرية جمعاء. لقد أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها. فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
اضف تعليق لنستمر في جهدنا