بحث عن معاتبة النفس

معاتبة النفس

للإمام الغزالي





المقدمة بقلم الدكتور
ناجح إبراهيم









بسم الله الرحمن الرحيم




إهداء
إلى تلك القلوب التي ساقها الحنين ...
ودفعها الشوق إلى طريق الله ..
نهدي هذه الرسائل .. لعلها تكون لهم
زاداً على الطريق ..


                                  الجماعة الإسلامية







بسم الله الرحمن الرحيم
إن  الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله .
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما)
أما بعد
الطريق إلى الله
( الناس غاديان ، فبائع نفسه فموبقها ، وقائد نفسه فمعتقها ).
كلمات مضيئة قالها نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرناً من الزمان .. ما أحوجنا إليها في أيامنا هذه .. ما أحوجنا إلى أن نعلم أن الناس فريقان ، لا ثالث لهما .
وكلا الفريقين يتحرك ويعمل .. ويكد وينصب ؟؟ ويجتهد ويتعب . ولكن البون بينهما شاسع ، ففريق يغدو في طريق الله .. والآخر في طريق الكفر والضلال . أحدهما يسعى ليزكي نفسه وقلبه .. والآخر يسعى في تدنيس نفسه وقلبه .
الكل يسعى .,. الكل يتحرك ..
وكلما مر ليل أو نهار ، كلما اقترب الساعون من نهاية المطاف .. كلما اقتربوا من حفرة في جوف الأرض .. والقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ــ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ فيمكثون في باطن الأرض ما شاء الله لهم ، إنتظاراً للوقوف بين يدي الله تعالى للحساب .
الكل يسعى .. الكل يتحرك ..
الكل يقطع الطريق إلى نهايته .. إلى الوقوف بين يدي الله تعالى ولكن شتان بين الساعين ..
فمنهم من تجهز للعرض ...
بينما أكثرهم لا يذكرون هذا اليوم ، ولا يتجهزون له ، قلة قليلة تلك التي تجهزت للعرض على الرحمن ، فاشترت نفسها من عذاب الله وأعتقتها من النار .
قلة قليلة تلك التي خافت من ربها ففرت إليه ..
نعم فرت إليه ‍‍‍‍‍‍‍‌,,
فمن خاف شيئاً فرّ منه .. ومن خاف الله تعالى فرّ إليه .
((ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين )).. قلة قليلة تلك التي تسير قلوبها إلى الله .
إن الأجساد تكدح كل يوم سعياً نحو نهاية محتومة : (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه )) .
فليمض القلب على ذات الطريق :
(( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ))
فهلموا يا إخواني لنسلك الطريق مع تلك القلة المؤمنة الصابرة هلموا لنخلص رقابنا من رق الآخرة ‍,,
فإن أسير الآخرة غير مفكوك أبداً .
هلموا :
(( استجيبوا لربكم ))
(( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ))

ناجح إبراهيم

















ãÚÇÊÈÉ ÇáäÝÓ

للإمام الغزالي




















بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ...
قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله :
اعلم أن أعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك .وقد خلقت أمّارة بالسوء،ميالة إلى الشر،فرّارة من الخير ، وأمرت بتزكيتها وتقويمها وقودها إلى ربها وخالقها ، ومنعها عن شهواتها ، وفطامها عن لذاتها .
فإن أهملتها ، جمحت وشردت،ولم تظفر بها بعد ذلك .وإن لازمتها بالتوبيخ والمعاتبة والملامة كانت نفسك هي النفس اللوامة التى أقسم الله بها، ورجوت أن تصير المطمئنة المدعوة إلى أن تدخل في زمرة عباد الله راضية مرضية .
فلا تشتغل ساعة عن تذكيرها ومعاتبتها،ولا تشتغلن بوعظ غيرك ما لم تشتغل أولاً بوعظ نفسك ، أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام : (يا ابن مريم ، عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس،وإلا فاستحي مني).
وقال تعالى:(وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )
وسبيلك أن تقبل عليها، فتقرر عندها جهلها ،وحماقتها وأنها أبداً تتعزز بفطنتها وهدايتها ويشتد أنفها واستنكافها إذا نسبت إلى الحمق ، فتقول لها:
يا نفس..ما أعظم جهلك ؟! تدعين الحكمة والذكاء والفطنة ، وأنت أشد الناس غباوة وحمقاً!!
أما تعرفين ما بين يديك من الجنة والنار وأنك صائرة إلى إحداهما على القرب؟
فما بالك تفرحين وتضحكين وتشتغلين باللهو وأنت مطلوبة لهذا الخطب الجسيم ؟
وعساك اليوم تختطفين أو غداً، فأراك ترين الموت بعيداً ،ويراه الله قريباً،أما تعلمين أن كل ما هو آت قريب وأن البعيد ما ليس بآت ؟ أما تعلمين أن الموت يأتي بغتة من غير تقديم رسول ، ومن غير مواعدة ومواطئة ، وأنه لا يأتي في شيء دون شيء ،ولا في شتاء دون صيف ، ولا في صيف دون شتاء ، ولا في نهار دون ليل ، ولا في ليل دون نهار ،ولا يأتي في الصبا دون الشباب ولا في الشباب دون الصبا، بل كل نفس من الأنفاس يمكن أن يكون فيه الموت فجأة.
فمالك لا تستعدين للموت وهو أقرب إليك من كل قريب ؟!أما تتدبرين قوله تعالىاقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم )
ويحك يا نفس !!
إن كانت جرأتك على معصية الله لاعتقادك أن الله لا يراك ، فما أعظم كفرك!!
وإن كانت مع علمك باطلاعه عليك، فما أشد وقاحتك وأقل حياءك!
ويحك يا نفس!!
لو واجهك عبد من عبيدك ،بل أخ من إخوانك بما تكرهينه كيف كان غضبك عليه ومقتك له ؟فبأي جسارة تتعرضين لمقت الله وغضبه وشديد عقابه؟!
أفتظنين أنك تطيقين عذابه ؟!!!هيهات هيهات ، جربي نفسك ـ إن ألهاك البطر عن أليم عذابه ـ فاحتبسي ساعة في الشمس ،أو قربي أصبعك من النار ليتبين لك قدر طاقتك .
أم تغترين بكرم الله وفضله واستغنائه عن طاعتك وعبادتك ؟ فما بالك لا تعولين على كرم الله تعالى في مهمات دنياك ؟ فإذا قصدك عدو فلم تستنبطين الحيل في دفعه ولا تكلينه إلى كرم الله تعالى ؟ وإذا أرهقتك حاجة إلى شهوة الدنيا ، مما لا ينقضي إلا بالدرهم والدينار فما لك تنزعين الروح في طلبها وتحصيلها من وجوه الحيل ؟ فلم لا تعولين على كرم الله تعالى حتى يعثر بك على كنز ، أو يسخر عبداً من عبيده فيحمل اليك حاجتك من غير سعي منك ولا طلب؟!
أفتحسبين أن الله كريم في الآخرة دون الدنيا ، وقد عرفت أن سنة الله لا تبديل لها ،وأن رب الآخرة والدنيا واحد ، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ؟
ويحك يا نفس !!
ما أعجب نفاقك ودعاويك الباطلة ،فانك تدعين الإيمان بلسانك وأثر النفاق ظاهر عليك ،ألم يقل لك سيدك ومولاك :(وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها )
وقال في أمر الآخرة :(وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) فقد تكفل لك بأمر الدنيا خاصة ، فكذبته بأفعالك ،وأصبحت تتكالبين على طلبها تكالب المدهوش المستهتر ، ووكل أمر الآخرة إلى سعيك فأعرضت عنها إعراض المغرور المستحقر ، ما هذا من علامات الإيمان ، لو كان الإيمان باللسان فلم كان المنافقون في الدرك الأسفل من النار ؟!
ويحك يا نفس !!
كأنك لا تؤمنين بيوم الحساب !!وتظنين أنك إذا ما مت انفلت وتخلصت !!وهيهات ،
أتحسبين أنك تتركين سدى ؟!
ألم تكوني نطفة من مني يمنى ؟!
ثم كنت علقة فخلق فسوى؟أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى فإن كان هذا من إضمارك فما أكفرك وأجهلك !!
أما تتفكرين أنه من ماذا خلقك ؟من نطفة خلقك فقدرك ، ثم السبيل يسرك ، ثم أماتك فأقبرك ، أفتكذبينه في قوله  ثم إذا شاء أنشرك ؟
فإن لم تكوني مكذبة فما بالك لا تأخذين حذرك ؟!
ولو أن طبيباً يهودياً أخبرك في ألذ أطعمتك بأنه يضرك في مرضك لصبرت عنه وتركته وجاهدت نفسك فيه ،
أكان قول الأنبياء المؤيدين بالمعجزات  ، وقول الله تعالى في كتبه المنزلة أقل عندك تأثيراً من قول يهودي يخبرك عن تخمين وظن مع نقصان عقل وقصور علم؟!
و العجب أنه لو أخبرك طفل بأن في ثوبك عقرباً ، لرميت ثوبك في الحال ، من غير مطالبة له بدليل وبرهان .
أفكان قول الأنبياء والعلماء والحكماء وكافة الأولياء أقل عندك من قول صبي من جملة الأغبياء ؟‍!
أم صار حرّ نار جهنم وأغلالها وأنكالها وزقومها ومقامعها وصديدها وسمومها وأفاعيها وعقاربها أحقر عندك من عقرب لا تحسين بألمها إلا يوما أو أقل منه ؟!
ما هذه أفعال العقلاء . بل لو انكشف للبهائم حالك لضحكوا منك وسخروا من عقلك .
فإن كنت ــ يا نفس ــ قد عرفت جميع ذلك وآمنت به ، فمالك تسوّفين العمل ، والموت لك بالمرصاد ، ولعله يختطفك من غير مهلة ؟
وهبك أنك وعدت بالإمهال مائة سنة . أفتظنين أن من يطعم الدابة في حضيض العقبة يفلح ويقدر على قطع العقبة بها ؟! إن ظننت ذلك فما أعظم جهلك !!
أرأيت لو سافر رجل ليتفقه في الغربة فأقام فيها سنين متعطلاً بطالاً يعد نفسه بالتفقه في السنة الأخيرة عند رجوعه إلى وطنه ، هل كنت تضحكين من عقله وظنه إن تفقيه النفس مما يطمع فيه بمدة قريبة ، أو حسبانه أن مناصب الفقهاء تنال من غير تفقه ، اعتماداً على كرم الله سبحانه وتعالى ؟
ثم هبي أن الجهد في أخر العمر نافع ، وأنه موصل إلى الدرجات العلا فلعل اليوم آخر عمرك ، فلم لا تشتغلين فيه بذلك ؟!
فإن أوحي إليك بالإمهال ، فما المانع من المبادرة ؟!وما الباعث لك على التسويف ؟! هل له سبب إلا عجزك عن مخالفة شهواتك لما فيها من التعب والمشقة ؟ أفتنتظرين يوماً يأتيك لا تعسر فيه مخالفة الشهوات ... هذا يوم لم يخلقه الله قط ، ولا يخلقه ، فلا تكون الجنة قط إلا محفوفة بالمكاره ، ولا تكون المكاره قط خفيفة على النفوس .
أما تتأملين مذ كم تعدين نفسك وتقولين غداً غداً ، فقد جاء الغد وصار يوماً فكيف وجدته ؟! أما علمت أن الغد الذي جاء وصار يوماً كان له حكم الأمس ؟! وأن ما تعجزين عنه اليوم فأنت غداً عنه أعجز وأعجز ؟!
لأن الشهوة كالشجرة الراسخة التي تعبد العبد بقلعها ، فإذا عجز العبد عن قلعها للضعف ، وأخرّها كان كمن عجز عن قلع شجرة وهو شاب قوي فأخرها إلى سنة أخرى ، مع العلم بأن طول المدة يزيد الشجرة قوة ورسوخاً ، ويزيد القالع ضعفاً ووهناً .
فما لا يقدر عليه في الشباب لا يقدر عليه قط في المشيب ، بل من العناء رياضة الهرم ، ومن التعذيب تهذب الذئب ، والقضيب الرطب يقبل الانحناء فإذا جف وطال عليه الزمان لم يقبل ذلك .
فإذا كنت أيتها النفس لا تفهمين هذه الأمور الجلية ، وتركنين إلى التسويف ، فما بالك تدعين الحكمة ؟! وأي حماقة تزيد على هذه الحماقة ؟!
ولعلك تقولين : ما يمنعني عن الاستقامة إلا حرصي على لذة الشهوات وقلة صبري على الآلام والمشقات ، فما أشد غباوتك وأقبح اعتذارك ؟!
إن كنت صادقة في ذلك فاطلبي التنعم بالشهوات الصافية عن الكدرات الدائمة أبد الآباد .
ولا مطمع في ذلك إلا في الجنة .
فإن كنت ناظرة في شهواتك ، فالنظر لها في مخالفتها، فرب أكلة تمنع أكلات . وما قولك في مريض أشار عليه الطبيب بترك الماء البارد ثلاثة أيام ليصح ويهنأ بشربه طول عمره ، وأخبره أنه إن شرب ذلك مرض مرضاً مزمناً ، وامتنع عليه شربه طول العمر ، فما مقتضى العقل في قضاء حق الشهوة ؟
أيصبر ثلاثة أيام ليتنعم طول العمر ؟ أم يقضي شهوته في الحال مخافة ألم المخالفة ثلاثة أيام ، حتى يلزمه ألم المخالفة ثلاثمائة يوم ، وثلاثة آلاف يوم ؟! وجميع عمرك بالإضافة إلى الأبد الذي هو مدة نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار ، أقل من ثلاثة أيام بالإضافة إلى جميع العمر وإن طالت مدته .
وليت شعري !! ألم الصبر على الشهوات أعظم شدة وأطول مدة ، أو ألم النار في دركات جهنم ؟!
فمن لا يطيق الصبر على ألم المجاهدة كيف يطيق ألم عذاب الله ؟!
ما أراك تتوانين عن النظر لنفسك إلا لكفر خفيّ أو لحمق جليّ .
أما الكفر فهو ضعف إيمانك بيوم الحساب ، وقلة معرفتك بعظيم قدر الثواب والعقاب .
وأما الحمق الجلي فاعتمادك على حكم الله وعفوه من غير التفات إلى مكره واستدراجه واستغنائه عن عبادتك . مع أنك لا تعتمدين على كرمه في لقمة خبز أو حبة من المال أو كلمة واحدة تسمعينها من الخلق !!
بل تتوصلين إلى غرضك في ذلك بحميع الحيل ، وبهذا الجهل تستحقين لقب الحماقة من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : { الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت . والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني } .
ويحك يا نفس !!
لا ينبغي أن تغرّك الحياة الدنيا ، ولا يغرنك بالله الغرور . فانظري لنفسك ، فما أمرك بمهم لغيرك ، ولا تضيعي أوقاتك ، فالأنفاس معدودة ، فإذا مضى منك نفس فقد ذهب بعضك .
فاغتنمي الصحة قبل السقم ،والفراغ قبل الشغل ،والغني قبل الفقر ،والشباب قبل الهرم ،والحياة قبل الموت ،واستعدي للآخرة على قدر بقاؤك فيها .
يا نفس ،أما تستعدين للشتاء بقدر طول مدته ،فتجمعين له القوت والكسوة والحطب وجميع الأسباب ولا تتكلين في ذلك على فضل الله وكرمه حتى يدفع عنك البرد من غير جبة ولبد وحطب وغير ذلك ،فإنه قادر على ذلك ، أفتظنين يا نفس أن زمهرير جهنم أخف برداً وأقصر مدة من زمهرير الشتاء ؟!أم تظنين أن العبد ينجو من جهنم بغير سعي ؟
هيهات ،كما لا يندفع برد الشتاء إلا بالجبة والنار وسائر الأسباب فلا يندفع حر جهنم وبردها إلا بحصن التوحيد وخندق الطاعات ،إنما كرم الله تعالى  في أن عرفك طريق التحصن ويسر لك أسبابه ، لا في أن يندفع عنك العذاب دون حصنه ،كما أن كرم الله تعالى في دفع برد الشتاء أن خلق النار ،وهداك لطريق استخراجها من بين حديدة وحجر ،حتى تدفعي بها برد الشتاء عن نفسك ، وكما أن شراء الحطب و الجبة مما يستغني عنه خالقك ومولاك ،وإنما تشترينه لنفسك طلباً لاستراحتك ،فطاعتك ومجاهدتك أيضا هو مستغن عنها ،وإنما هي طريقك إلى نجاتك ،فمن أحسن فلنفسه ،ومن أساء فعليها ،والله غني عن العالمين.
ويحك يا نفس !!
انزعي عن جهلك ، وقيسي آخرتك بدنياك ، ف(ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) و(كما بدأكم تعودون ) وسنة الله تعالى لا تجدين لها تبديلاً ولا تحويلاً .
ويحك يا نفس !!
ما أراك إلا ألفت الدنيا وأنست بها ، فعسر عليك مفارقتها ، وأنت مقبلة على مقاربتها ، وتؤكدين في نفسك مودتها .
فاحسبي أنك غافلة عن عقاب الله وثوابه ، وعن أهوال يوم القيامة وأحوالها ، فما أنت مؤمنة بالموت المفرّق بينك وبين محابّك ؟!!
أفترين أن من يدخل دار ملك ليخرج من الجانب الآخر ، فمدّ ببصره إلى وجه مليح يعلم أنه يستغرق ذلك قلبه ،ثم يضطر لا محالة إلى مفارقته ، أهو معدود من العقلاء أم من الحمقى؟!
أما تعلمين أن الدنيا دار لملك الملوك ،وأنك ما لك فيها إلا مجاز،وكل ما فيها لا يصحب المجتازين بها بعد الموت ، ولذلك قال سيد البشر صلى الله عليه وسلم إن روح القدس نفث في روعي (( أحبب من أحببت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به وعش ما شئت فإنك ميت )).
ويحك يا نفس !!
أتعلمين أن كل من يلتفت إلى ملاذّ الدنيا ويأنس بها مع أن الموت من ورائه فإنما يستكثر من الحسرة عند المفارقة ، وإنما يتزود من السم المهلك وهو لا يدري .
أو ما تنظرين إلى الذين مضوا كيف بنوا وعلوا ، ثم ذهبوا وخلوا ؟ وكيف أورث الله أرضهم وديارهم أعداءهم ؟ أما ترينهم كيف يجمعون مالا يأكلون ، ويبنون مالا يسكنون ، ويؤملون مالا يدركون ؟ يبني كل واحد قصراً مرفوعاً إلى جهة السماء ، ومقره قبر محفور تحت الأرض ،فهل في الدنيا حمق وانتكاس أعظم من هذا ؟ يعمرّ الواحد دنياه وهو مرتحل عنها يقيناً ، ويخرّب آخرته وهو صائر إليها قطعاً . أما تستحين يا نفس من مساعدة هؤلاء الحمقى على حماقتهم ، واحسبي أنك لست ذات بصيرة تهتدي إلى هذه الأمور ، وإنما تميلين بالطبع إلى التشبه والإقتداء فقيسي عقل الأنبياء والعلماء والحكماء بعقل هؤلاء المنكبين على الدنيا واقتدي من الفريقين بمن هو أعقل عندك ،إن كنت تعتقدين في نفسك العقل والذكاء.
يا نفس ما أعجب أمرك وأشد جهلك وأظهر طغيانك ، عجباً لك كيف تعمين عن هذه الأمور الواضحة الجلية ؟! ولعلك يا نفس أسكرك حب الجاه وأدهشك عن فهمها !! أو ما تتفكرين أن الجاه لا معنى له إلا ميل القلوب من بعض الناس إليك ؟! فاحسبي أن كل من على الأرض سجد لله وأطاعك ، وأما تعرفين أنه بعد خمسين سنة لا تبقين أنت ولا أحد ممن على وجه الأرض ممن عبدك وسجد لك ؟ وسيأتي زمان لا يبقى ذكرك ولا ذكر من ذكرك ، كما أتى على الملوك الذين كانوا من قبلك فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً ؟ فكيف تبيعين يا نفس ما يبقى أبد الآباد بما لا يبقى أكثر من خمسين سنة ــ إن بقى ــ هذا إن كنت ملكاً من ملوك الأرض سلم لك المشرق والمغرب حتى أذعنت لك الرقاب وانتظمت لك الأسباب ، كيف ولم يسلم لك أمر محلتك ، بل أمر دارك فضلاً عن محلتك ؟!
فإن كنت يا نفس لا تتركين الدنيا رغبة في الآخرة لجهلك وعمي بصيرتك ، فمالك لا تتركينها ترفعاً عن خسة شركائها ، وتنزهاً عن كثرة عنائها ، وتوقياً من سرعة فنائها ؟! أم مالك لا تزهدين في قليلها بعد أن زهد فيك كثيرها ؟! ومالك تفرحين بدنيا ــ إن ساعدتك ــ فلا تخلو بلدك من جماعة من اليهود والمجوس يسبقونك بها ، ويزيدون عليك في نعيمها وزينتها ؟! فأفٍّ لدنيا يسبقك بها هؤلاء الأخساء  فما أجهلك ، وأخس همتك، وأسقط رأيك إذا رغبت عن أن تكوني في زمرة المقربين من النبيين والصديقين في جوار رب العالمين أبد الآبدين ، لتكوني في صف النعال من جملة الحمقى الجاهلين أياماً قلائل .
فيا حسرة عليك إن خسرت الدنيا والدين .
فبادري ـ ويحك يا نفس ــ فقد أشرفت على الهلاك ، واقترب الموت ، وورد النذير. فمن ذا يصلى عنك بعد الموت ؟! ومن ذا يصوم عنك بعد الموت ؟! ومن ذا يترضى عنك عند ربك بعد الموت ؟!
ويحك يا نفس !!
مالك إلا أيام معدودة ، هي بضاعتك إن اتجرت فيها ، وقد ضيعت أكثرها ، فلو بكيت بقية عمرك على ما ضيعت منها لكنت مقصرة في حق نفسك ، فكيف إذا ضيعت البقية وأصررت على عادتك ؟!
أما تعلمين ــ يا نفس ــ أن الموت موعدك ، والقبر بيتك ، والتراب فراشك ، والدود أنيسك ، والفزع الأكبر بين يديك ؟!
أما تعلمين أن عسكر الموت عندك على باب البلد ينتظرونك ، وقد آلو على أنفسهم بالأيمان المغلظة أنهم لا يبرحون من مكانهم ما لم يأخذوك معهم .
أما تعلمين ــ يا نفس ــ أن الأموات يتمنون الرجعة إلى الدنيا يوماً واحداً ليشتغلوا بتدارك ما فرط منهم ؟ وأنت اليوم في أمنيتهم . ويوم من عمرك لو بيع منهم بالدنيا بحذافيرها لاشتروه لو قدوا عليه ، وأنت تضيعين أيامك في الغفلة والبطالة.
ويحك يا نفس !
أما تستحيين ؟!! تزينين ظاهرك للخلق ، تبارزين الله في السر بالعظائم . أفتستحيين من الخلق ولا تستحيين من الخالق ؟!
ويحك !! أهو أهون الناظرين عليك ؟!
أتأمرين الناس بالخير وأنت متلطخة بالرذائل ؟! تدعين إلى الله وأنت عنه فارّة ، وتذكرين بالله وأنت له ناسية . أما تعلمين ــ يا نفس ـ أن المذنب أنتن من العذرة ، وأن العذرة لا تطهر غيرها ، فلم تطمعين في تطهير غيرك وأنت غير طيبة في نفسك ؟!
ويحك يا نفس !!
لو عرفت نفسك حق المعرفة لظننت أن الناس ما يصيبهم بلاء إلا بشؤمك .
ويحك يا نفس !!
قد جعلت نفسك حماراً لإبليس ، يقودك إلى حيث يريد ، ويسخر بك ، ومع هذا تعجبين بعملك وفيه من الآفات ما لو نجوت منه رأساً برأس لكان الربح في يديك . وكيف تعجبين بعملك مع كثرة خطاياك وذللك ، وقد لعن الله إبليس بخطيئة واحدة بعد أن عبده مائتي ألف سنة ، وأخرج آدم من الجنة بخطيئة واحدة مع كونه نبيه وصفيه .
ويحك يا نفس !!
ما أغدرك !
ويحك يانفس !!
ما أوقحك !
ويحك يا نفس !!
ما أجهلك ، وما أجرأك على المعاصي .
ويحك ! كم تعقدين فتنقضين ؟!
ويحك ! كم تعهدين فتغدرين ؟!
ويحك يا نفس !!
أتشتغلين ــ مع هذه الخطايا ــ بعمارة دنياك كأنك غير مرتحلة عنها ؟! أما تنظرين إلى أهل القبور كيف كانوا جمعوا كثيراً وبنوا مشيداً وأمّلوا بعيداً ، فأصبح جمعهم بوراً وبنيانهم قبوراً وأملهم غروراً ؟!
ويحك يانفس !!
أما لك بهم عبر ؟! أما لك إليهم نظرة ؟! أتظنين أنهم دعوا إلى الآخرة ، وأنت من المخلدين ؟! هيهات هيهات ساء ما تتوهمين ، ما أنت إلا في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك ، فابني على وجه الأرض قصرك ، فإن بطنها عن قليل يكون قبرك .
أما تخافين إذا بلغت النفس منك التراقي أن تبدو رسل ربك منحدرة إليك بسواد الألوان ، وكلح الوجوه ، بشرى بالعذاب فهل ينفعك حينئذ الندم ؟ أو يقبل منك الحزن ؟ أو يرحم منك البكاء ؟
والعجب ــ كل العجب ــ منك يا نفس أنك مع هذا تدّعين البصيرة والفطنة ، ومن فطنتك أنك تفرحين كل يوم بزيادة مالك ، ولا تحزنين بنقصان عمرك !! وما نفع مال يزيد وعمر ينقص ؟!
ويحك يا نفس !!
تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك ، تقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك . فكم من مستقبل يوماً لا يستكمله ، وكم من مؤمل لغد لا يبلغه ، فأنت تشاهدين ذلك في إخوانك وأقاربك وجيرانك فترين تحسرهم عند الموت ثم لا ترجعين عن جهالتك .
فحاذري أيتها النفس المسكينة يوماً آلى الله فيه على نفسه أن لا يترك عبداً أمره في الدنيا ونهاه ، حتى يسأله عن عمله : دقيقه وجليله  سرّه وعلانيته .
فانظري يا نفس بأيّ بدن تقفين بين يدي الله ؟ وبأيّ لسان تجيبين ؟ وأعدّي للسؤال جواباً ، وللجواب صواباً ، واعملي بقية عمرك في أيام قصار لأيام طوال ، وفي دار زوال لدار مقامة ، وفي دار حزن ونصب لدار نعيم وخلود ، اعملي قبل أن لا تعملي ، اخرجي من الدنيا اختياراً خروج الأحرار قبل أن تخرجي منها على الاضطرار ، ولا تفرحي بما يساعدك من زهرات الدنيا ، فربّ مسرور مغبون ، وربّ مغبون لا يشعر ، فويل لمن له الويل ثم لا يشعر يضحك ويفرح ويلهو يمرح ويأكل ويشرب وقد حق له في كتاب الله أنه من وقود النار
فليكن نظرك يا نفس إلى الدنيا اعتباراً ، وسعيك لها اضطراراً ، ورفضك لها اختياراً ، وطلبك للآخرة بداراً ، ولا تكوني ممن يعجز عن شكر ما أوتي ، ويبتغي الزيادة فيما بقي ، وينهى الناس ولا ينتهي ، واعلمي يا نفس أنه ليس للدين عوض ،ولا للإيمان بدل ، ولا للجسد خلف ، ومن كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وإن لم يسر ، فاتعظي يا نفس بهذه الموعظة ، واقبلي هذه النصيحة ، فإن من أعرض عن الموعظة فقد رضي بالنار ، وما أراك بها راضية ، ولا لهذه الموعظة واعية ، فإن كانت القساوة تمنعك من قبول الموعظة ، فاستعيني عليها بدواء التهجد والقيام ، فإن لم تزل ، فبالمواظبة على الصيام ، فإن لم تزل ، فبقلة المخالطة والكلام ، فإن لم تزل فبصلة الأرحام واللطف بالأيتام ، فإن لم تزل فاعلمي أن الله قد طبع على قلبك وأقفل عليه وأنه قد تراكمت ظلمة الذنوب على ظاهره وباطنه ، فوطني نفسك على النار !!
فقد خلق الله الجنة ، وخلق لها أهلها . وخلق النار ، وخلق لها أهلها ، فكل ميسر لما خلق له ، فإن لم يبق فيك مجال للوعظ فاقنطي من نفسك ، والقنوط كبيرة من الكبائر ، نعوذ بالله من ذلك ، فلا سبيل لك إلى القنوط ولا سيبل لك إلى الرجاء مع انسداد طرق الخير عليك فإن ذلك اغترار وليس برجاء . فانظري الآن هل يأخذك حزن على هذه المصيبة التي ابتليت بها ؟ وهل تسمح عينك بدمعة رحمة منك على نفسك؟ فإن سمحت فمستقى الدمع من بحر الرحمة ، فقد بقي فيك موضع للرجاء.
فواظبي على النياحة والبكاء , واستعيني بأرحم الراحمين ، واشتكي إلى أكرم الأكرمين ، وأدمني الاستغاثة ، ولا تملي طول الشكاية ، لعله أن يرحم ضعفك ويغيثك ، فإن مصيبتك قد عظمت ، وبليتك قد تفاقمت وتماديك قد طال . وقد انقطعت منك الحيل ، وراحت عنك العلل ، فلا مذهب ولا مطلب ولا مستغاث ولا مهرب ولا ملجأ ولا منجا إلا إلى مولاك .
فافزعي إليه بالتضرع ، واخشعي في تضرعك على قدر عظم جهلك ، وكثرة ذنوبك ، لأنه يرحم المتضرع الذليل ، ويغيث الطالب المتلهف ويجيب دعوة المضطر ، وقد ضاقت بك السبل ، وانسدت عليك الطرق ، وانقطعت منك الحيل ، ولم تنجع فيك العظات ، ولم يكسرك التوبيخ .
المطلوب منه كريم ، والمسؤول جواد  والمستغاث به برٌّ رؤوف ، والرحمة واسعة ، والكرم فائض ، والعفو شامل .
وقولي : يا أرحم الراحمين ، يا رحمن ، يا رحيم ، يا حليم ، يا عظيم ، يا كريم أنا المذنب المصرّ ، أنا الجريء الذي لا أقلع ، أنا المتمادي الذي لا أستحيي، هذا مقام المتضرع المسكين ، والبائس الفقير ،والضعيف الحقير ،والهالك الغريق ، فعجّل إغاثتي وفرجي ،وأرني آثار رحمتك ، وأذقني برد عفوك ومغفرتك ،يا أرحم الراحمين .اقتداءً بابيك آدم عليه السلام ، فقد قال وهب بن منبه : لما أهبط الله آدم من الجنة إلى الأرض مكث لا ترقأ له دمعة ، فاطلع الله عز وجل عليه في اليوم السابع وهو محزون كئيب كظيم منكثا رأسه فأوحى الله تعالى إليه : يا آدم ما هذا الجهد الذي أرى بك ، قال : يا رب عظمت مصيبتي ، وأحاطت بي خطيئتي ، وأخرجت من ملكوت ربي ، فصرت في دار الهوان بعد الكرامة ، وفي دار الشقاء بعد السعادة ، وفي دار النصب بعد الراحة ، وفي دار البلاء بعد العافية ، وفي دار الزوال بعد القرار، وفي دار الموت والفناء بعد الخلود والبقاء . فكيف لا أبكي على خطيئتي؟! فأوحى الله تعالى إليه : يا آدم ألم أصطفك لنفسي ،وأحللتك داري ،وخصصتك بكرامتي ، وحذرتك سخطي ؟ ألم أخلقك بيدي ، ونفخت فيك من روحي ، وأسجدت لك ملائكتي فعصيت أمري ، ونسيت عهدي وتعرضت لسخطي ؟ فوعزتي وجلالي لو ملأت الأرض رجالاً كلهم مثلك يعبدونني ويسبحونني ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين ، فبكى آدم عليه السلام عند ذلك ثلاثمائة عام .
وكان سعيد الله البجلي كثير البكاء ، يقول في بكائه طول ليله : إلهي أنا الذي كلما طال عمري زادت ذنوبي ، أنا الذي كلما هممت بترك خطيئة عرضت لي شهوة أخرى ، واعبيداه ، قضيت حوائج الطالبين ولعل حاجتك لا تقضى . وقال منصور بن عمار : سمعت في بعض الليالي بالكوفة عابداً يناجي ربه وهو يقول : يا رب وعزتك ما أردت بمعصيتك مخالفتك .. ولا عصيتك إذ عصيتك وأنا بمكانك جاهل ، ولا لعقوبتك متعرض ، ولا لنظرك مستخف ، ولكن سولت لي نفسي وأعانني على ذلك شقوتي ، وغرني سترك المرخي عليّ ، فعصيتك بجهلي وخالفتك بفعلي . فمن عذابك الآن من يستنقذني ؟ أو بحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني ؟ وا سوأتاه من الوقوف بين يديك غداً ، إذا قيل للمخفّين جوزوا ، وقيل للمثقلين حطوا أمع المخفّين أجوز أم مع المثقلين أحط ؟ ويلي !! كلما كبرت سني كثرت ذنوبي ، ويلي!! كلما طال عمري كثرت معاصيّ ، فإلى متى أتوب وإلى متى أعود ؟؟ أما آن لي أن أستحي من ربي ؟!
فهذه طرق القوم في مناجاة مولاهم ، وفي معاتبة نفوسهم ، وإنما مطلبهم من المناجاة الاسترضاء ، ومن المعاتبة التنبيه والاسترعاء .
فمن أهمل المعاتبة والمناجاة لم يكن لنفسه مراعياً ، ويوشك أن لا يكون الله تعالى عنه راضياً . والسلام .

انتهى بتصرف يسير نقلاً عن إحياء علوم الدين للغزالي .


وبعد
وبعد ــ أخي المسلم ــ
فأعداؤك الذين يتربصون بك يريدون أن يقطعوك عن سيرك إلى الله والدار والآخرة أربعة أعداء
            النفس ... الشيطان ... الهوى ... الدنيا
ولقد رسم الغزالي ــ عبر هذه الرسالة ــ الطريق إلى هزيمة النفس ، ذلك العدو الذي يرقد بين أضلعك !!
فبدأ بمحاورتها ، وتوضيح الحق لها ..
فلما رآها تتعلق بشبه واهية ، حمل عليها حملة شعواء ، لم يبق لها بعدها شبهة إلا وقطع دابرها ..
فلما رآها لم تمتثل بعد ، ساقها سياط التخويف إلى ساحة التضرع والتذلل والبكاء .. ومنها أخذ بيدها وأوقفها ــ شاكية باكية ــ على عتبة الرجاء تسأل ربها التوفيق وتستعيذ به من الخذلان كل ذلك عبر حوار بين العبد ونفسه .
وما من شك في أن هذا الحوار قد دار بين الغزالي ونفسه فلما أحس فائدته قام بتسطيره للناس ،لذا جاءت كلماته حية صادقة مؤثرة . ولقد نصح الرجل فأخلص النصح ، فهل نستفيد من هذه النصيحة الغالية ؟ وهل نقف مع أنفسنا وقفة جادة نحاسبها ونعاتبها ونلزمها بالحق ..
{ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد}
ولنا إن شاء الله لقاء .

تعليقات