بحث عن الاخلاق


المقدمة
     
    الحمد لله رب العالمين ، خالق الخلق أجمعين ، ومرسل الهادي البشير الأمين ، نبينا محمد  خاتم الأنبياء والمرسلين ، وهدى إلى محبته المسلمين . قال تعالى : " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31 ) آل عمران .
     فكأن هذا من الأسباب التي جعلت القلوب تتسابق إلى الاقتداء به ، وتتبع سيرته المطهرة وهي أقواله وأفعاله وأخلاقه الكريمة . قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها " كان خلقه القرآن " . 
    ومن كان كذلك كان أحسن الناس وأكملهم وأحقهم بمحبة الله ومحبة خلق الله جميعاً .










الفصل الأول
في حسن الخلق وبيانة

     الخلق : هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال الإرادية والاختيارية من حسنة وسيئة ، وجميلة وقبيحة ، وهي قابلة بطبعها التأثير التربية الحسنة والسيئة فيها . فإذا ما ربيت هذه الهيئة على إيثار الفضيلة والحق ، وروضت على حب الجميل ، وكراهية القبيح وأصبح ذلك طبعاً لها قيل فيه : خلق حسن .
      كما أنها إذا أهملت فلم تهذب التهذيب اللائق بها أصبح القبيح محبوباً لها والجميل مكروهاً عندها وصارت الرذائل والنقائص : الأقوال والأفعال الذميمة طبعاً لها قيل فيه : خلق سيء وأثنى الله تعالى على نبيه بحسن الخلق فقال :  وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) (1) وبين  فضل محاسن الأخلاق في غير ما قولٍ فقال : " ما من شيئاً في الميزان أثقل من حسن الخلق " (2) وهذا تعريفه باعتبار ذاته وحقيقته .
     آراء السلف في بيان حسن الخلق : قال الحسن : حُسن الخلق بسط الوجه ، وبذل الندى ، وكف الأذى ، وقال عبد الله بن المبارك : حُسن الخلق في ثلاث أفعال : إجتناب المحارم ، وطلب الحلال ، والتوسعة على العيال . وقالوا في علاماته : أن يكون كثير الحياء ، قليل الأذى ، كثير الصلاح ، صدوق اللسان ، قليل الكلام ، كثير العمل ، قليل الذلل ، قليل الفضول ، براً وصولاً ، وقوراً ، صبوراً شكوراً رضياً حليماً ، وفياً عفيفاً لا لعاناً ولا سباباً ، ولا نماماً ولا فعتاباً ، ولا عجولاً ولا حقوداً ولا نجيلاً ولا حسوداً ، يحب في الله ويبغض في الله ويرضى في الله ويسخط لله . وهذا تعريف لذي الخلق الحسن ببعض صفاته وجزئياته .



















الفصل الثاني
في خلق الحياء

     المسلم عفيف حيي ، والحياء خلق له ، إن الحياء من الإيمان ، والإيمان عقيدة المسلم وقوام حياته ، يقول الرسول  : " الحياء والإيمان قرناء جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر " (1) وسر كون الحياء من الإيمان أن كلاً منهما داع إلى الخير صارف عن الشر مبعد عنه . فالإيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي ، والحياء يمنع صاحبه من التقصير في الشكر للمنعم ومن التفريط في حق ذي الحق ، كما يمنع الحيي من فعل القبيح أو قوله اتقاء للذمم والملامة . ونقيض الحياء والبذاء ، والبذاء فُحش في القول والفعل وجفاء في الكلام ، والمسلم لا يكون فاحشاً ولا متفحشاً ، ولا غليظاً ولا صافياً ، إذ هذه صفات أهل النار ، والمسلم من أهل الجنة إن شاء الله ، فلا يكون من أخلاقه البذاء ولا الجفاء . وشاهد هذا قول الرسول  : " الحياء في الإيمان والإيمان في الجنة ، والبذاء في الجفاء والجفاء في النار " .(2) وخلق الحياء ولا يمنع المسلم من قول حق أو طلب علم أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر . والمسلم كما يستحي من الخلق فعلاً يكشف لهم عورة ، ولا يقصر في حق وجب لهم عليه ، ولا ينكر معروفاً أسدوه إليه ، فهو يستحي من الخالق فلا  يقصر في طاعته ، ولا في شكر نعمته وذلك لما يرى من قدرته عليه ، وعلمه به ، متمثلاً قول ابن مسعود ، استحيوا في الله حق الحياء فاحفظوا الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، واذكروا الموت والبلى ، وقول الرسول   : " فالله أحق أن يستحيا منه من الناس " (3) .
















الفصل الثالث
في خلق الصبر ، واحتمال الأذى 

     من محاسن أخلاق المسلم التي يتحلى بها : الصبر ، واحتمال الأذى في ذات الله تعالى .
أما الصبر فهو حسب النفس على ما تكره ، أو احتمال المكروه بنوع من الرضا والتسليم . ولا يأذن لها في فعلها مهما تاقت لذلك بطبعها ، وهشت له ، ويحسبها على البلاء إذا ترك بها فلا يتركها تجزع ، ولا تسخط ، إذ الجزع كما قال الحكماء على الفائت آفة ، وعلى المتوقع سخافة والسخط على الأقدار معاتبة لله الواحد القهار وهو في كل ذلك مستعين بذكر الله تعالى بالجزاء الحسن على الطاعات ، وما أعد لأهلها من جزيل الأجر ، وعظيم المثوبات ، وبذكر وعيده تعالى لأهل بغضته وأصحاب معصيته ، من أليم العذاب ، وشديد العقاب ويتذكر أن أقدار الله جارية ، وأن قضاءه تعالى عدل ، وأن حكمه نافذ ، صبر العبد أم جزع ، غير أنه مع الصبر الأجر ، ومع الجزع الوزر ، والصبر ينال ويكتسب بنوع من الرياضة والمجاهدة عنا لمسلم بعد افتقاره إلى الله تعالى أن يرزقه الصبر ، فإنه يستلهم الصبر بذكر ما ورد فيه من أمر ، وما وعد عليه من أجر ، كقوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200 ) (1) وكقول الرسول   : " الصبر ضياء " وقوله : " ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغنى يغنه الله ومن يصبر يُصبِّره الله وما أُعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر " (2) ( 3) . وأما احتمال الأذى فهو الصبر ولكنه أشق ، وهو بضاعة الصديقين وشعار الصالحين ، وحقيقته أن يؤذي المسلم في ذات الله تعالى فيصبر ويتحمل ، فلا يرد السيئة بغير الحسنة ولا ينتقم لذاته ، ولا يتأثر لشخصيته ما دام ذلك في سبيل الله ، ومؤدياً إلى مرضاة الله ، وكان بعض أصحاب رسول الله  يقولون : " ما كنّا نعد إيمان الرجل إيماناً إذا لم يصبر على الأذى " .














الفصل الرابع
في خلق التوكل على الله تعالى 
والاعتماد على النفس 
      المسلم لا يرى التوكل على الله في جميع أعماله واجباً خلقياً فحسب بل تراه فريضة دينية ، وبعده عقيدة إسلامية وذلك لأمر الله تعالى به في قوله : " وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ( 23 ) (1) لهذا كان التوكل المطلق على الله سبحانه وتعالى جزءاً من عقيدة المؤمن بالله تعالى . ولكن ليس معنى التوكل هو نبذ الأسباب ، وترك العمل ، والقنوع والرضا بالهون والدون تحت شعار التوكل على الله والرضا بما تجري به الأقدار لا أبداً : بل المسلم يفهم التوكل الذي هو جزءاً من إيمانه وعقيدته أنه طاعة الله بإحضار كافة الأسباب المطلوبة لأي عمل في الأعمال التي يريد مزاولتها والدخول فيها . فالتوكل إذاً هو عمل وأمل ، مع هدوء قلب وطمأنينة نفس ، واعتقاد جازم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً . أما الاعتماد على النفس فلا يفهمه المحجوبون بمعاصيهم عن أنفسهم من أنه عبارة عن قطع الصلة بالله تعالى ، وأن العبد هو الخالق لأعماله ، والمحقق لكسبه وأرباحه بنفسه ، وأنه لا دخل لله في ذلك ، تعالى الله عما يتصورون . وإنما المسلم إذ يقول بوجوب الاعقاد على النفس في الكسب والعمل يريد بذلك أنه لا يظهر افتقاره على عمله فإنه لا يسنده إلى غيره ، وإذا تأتي له أن يسد حاجته بنفسه فلا يطلب معونة غيره ولا مساعدة أحدٍ سوى الله لما في ذلت تعلق القلب بغير الله ، وهو ما لا يحبه المسلم ولا يرضاه .
     والمسلم إذ يعيش على هذه العقيدة في التوكل على الله والاعتماد على النفس يغذي عقيدته وينمي خلقه وفي هذا سلك المسلم درب الصالحين ومضى على سنن الصديقين . قال الرسول : " لو أنكم تتوكلون على أنه حقه توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً " (1) .  















الفصل الخامس
في الإيثار وحب الخير 

     من أخلاق المسلم التي اكتسبها من تعاليم دينه ، ومحاسن إسلامه الإيثار على النفس ، وحب الغير ، فالمسلم متى رأى محلاً للإيثار آثر غيره على نفسه ، وفضله عليها ، فقد يجوع ليشبع غيره ، ويعطش ليروي سواه ، بل قد يموت في سبيل حياة آخرين ، وما ذلك ببديع ولا غريب على مسلم تشبعت روحه بمعاني الكمال ، وانطبعت فيه نفسه بطابع الخير وحب الفضيلة والجميل ، والمسلم في إيثاره وحبه للخير ناهج نهج الصالحين السابقين وضارب في ضرب الأولين الفائزين الذين قال الله فيهم في ثنائه عليهم : " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9) (1) وكيف لا يبذل بسخاء ماله ، ولم لا يحب الخير ، ولا يؤثر الغير من علم أن ما يقدمه اليوم يجده غداً هو خير وأعظم أجراً . قال حذيفة العدوي : انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي ومعه شيء من ماءٍ وأنا أقول : إن كان به رمق سقيته ، ومسحت به وجهه ، فإذا أنا به فقلت : أسقيك ؟ فأشار إليِّ أن نعم ، فإذا رجل يقول : آه ، فأشار ابن عمي إليَّ أن أنطلق به إليه ، فجئته فإذا هو هشام بن العاص ، فقلت : أسقيك ؟ فسمع به آخر فقال : آه ، فأشار هشام انطلق به   إليه ، فجئته فإذا هو قد مات ، فرجعت إلى هشام ، فإذا هو قد مات ، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات ، رحمة الله عليهم أجمعين . وهكذا يغرب هؤلاء الشهداء الثلاثة الأبرار أعلى مثال في الإيثار ، وتفضيل الغير على النفس ، وهذا هو شأن المسلم في هذه الحياة .
     وحُكي أن بشر بن الحارس أتاه رجل في مرضه الذي توفي فيه ، فشكا إليه الحاجة فزع قميصه الذي كان عليه ، فأعطاه إياه ، واستعار قميصاً مات فيه ..
     هذه الصور تشكل نموذجاً حيّاً لخلق المسلم والإيثار وحب الخير .

















الفصل السادس
في خلق العدل والاعتدال 
     المسلم يرى أن العدل معناه العام من أوجب الواجبات وألزمها ، إذا أمر الله تعالى به في قوله : " اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) (1) ولهذا يعدل المسلم في قوله وحكمه ويتحرى العدل في كل شأنه حتى يكون العدل خلقاً له ، ووصفاً لا ينفك عنه ، فتصدر عنه أقواله وأفعاله عادلة بعيدة من الحيف والظلم والجور ، ويصبح بذلك عدلاً لا يميل به هوى ، ولا تجرفه شهوة أو دنيا ، ويستوجب محبة الله ورضوانه وكرامته وإنعامه ، إذ أخبر تعالى أنه يحب المقسطين ، وأخبر رسول الله  عن كرامتهم عند ربهم بقوله : " إن المقسطين عند الله على منابر من نور ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " (2) . 
وللعدل مظاهر كثيرة يتجلى فيها ، منها : ـ
1ـ العدل مع الله تعالى بأن لا يشرك معه في عبادته وصفاته غيره ، وأن يطاع فلا يعصى ويُذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر .
2ـ العدل في الحكم بين الناس بإعطاء كل ذي حق حقه ، وما يستحقه .
3ـ العدل بين الزوجات والأولاد فلا يفضل أحداً على آخر ولا يؤثر بعضهم على بعض .
4ـ العدل في القول فلا يشهد زور ، ولا يقال كذب أو باطل .
5ـ العدل في المعتقد فلا يعتقد غير الحق والصدق ، ولا يثني الصدر على غير ما هو الحقيقة والواقع .
     ومن ثمرات العدل في الحكم إشاعة الطمأنينة في النفوس . وأما الاعتدال فإنه أعم من العدل ، وهو الطريق الوسط بين الإفراط والتفريط ـ أن تخلو من الغلو والإحمال فلا إسراف ولا تقتير وحد بين الفخر والمباهاة ، وهو أخو الاستقامة ومن أشرف الفضائل وأسمى الخلائق .
















الفصل السابع
في خلق الرحمة

     المسلم رحيم ، والرحمة خلق من أخلاقه ، إذ منشأ الرحمة صفاء النفس وطهارة الروح والرحمة ، وإن كانت حقيقتها رقة القلب وانعطاف النفس والمقتضي للمغفرة والإحسان ، ومن صور مظاهر الرحمة التي تتجلى فيها وتبرز للحس والعيان ما يلي : ـ 
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله   قال : " بينما رجلُُ يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال : لقد بلغ بهذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ، ثم رقى فسقى الكلب فشكر الله فغفر له ، قالوا : يا رسول الله إن لنا في البهائم أجراً ؟ قال : في كل كبد رطبة أجراً " .
      فنزول الرجل في البئر وتحمله مشقة إخراج الماء وسقيه الكلب العطشان . كل هذا من مظاهر رحمته في قلبه وبعكسه ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  قال : أنه قال : عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار ، وقيل لها : لا أنت أطعمتها ولا سقتيها حين حبستها ولا أنت أرسلتها فأكلت من حشائش الأرض . إن ضيع هذه المرأة مظهر من مظاهر قسوة القلوب وانتزاع الرحمة منها ، والرحمة لا تنزع إلا من قلب شقي . والمسلم بإتيانه الخير ، وعمله الصالح ، وإبتعاده عن الشر ، واجتنابه المفاسد هو دائماً في طهارة نفس وطيب روح ، ومن كان هذا حاله فإن الرحمة لا تفارق قلبه ، ولهذا كان المسلم يحب الرحمة ويبذلها ويوحي بها ، ويدعوا إليها مصداقاً لقوله تعالى : " ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) (1) واسترشاداً بقوله  : " من لا يرحم لا يرحم " ومن تحقيثقه لقوله : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "(2) .















الفصل الثامن
في خلق الإحسان 

     المسلم لا ينظر إلى الإحسان ، على أنه خلق فاضل بحمل التخلق به    فحسب ، بل ينظر إليه وأنه جزء من عقيدته ، وشق كبير من إسلامه ، إذ الدين الإسلامي في مبناه على ثلاثة أمور وهي : الإيمان ، والإسلام ، والإحسان قال تعالى : " وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا (36) (1) وقال الرسول  : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليُتحد أحدكم شفرته ، وليبرح ذبيحته " (2) والإحسان في باب العبادات : 
أن تؤدى العبادات أياً كان نوعها من صلاة أو صيام أو حج أو غيرها أداء صحيحاً باستكمال شروطها وأركانها واستيفاء سننها وآدابها ، وهذا ما لا يتم للعبد إلا إذا كان حال أدائه للعبادة يستغرق في شعور قوي بمراقبة الله عز وجل حتى كأنه يراه تعالى ويشاهده ، أو على الأقل يشعر بأن الله تعالى مطلع عليه ناظر إليه . وأما الإحسان في باب المعاملات فهو للوالدين ببرهما الذي هو طاعتهما ، وإيصال الخير إليهما ، وكف الأذى عنهما ، والدعاء والاستغفار  لهما ، وإنقاذ عهدهما ، وإكرام صديقهما . وهو للأقارب يبرهما ورحمتهم ولليتامى للمحافظة على أموالهم وهو لابن السبيل : بقضاء حاجته وهو للخادم بإتيانه أجره قبل أن يجف عرقه وهو للحيوان بإطعامه إن جاع وهو في الأعمال البدنية بإجادة العمل . ومن مظاهر الإحسان ما يلي :
      قال عمر بن عبد العزيز يوماً لجاريته : روحيني حتى أنام فروحته فنام ، وغلبها النوم فنامت فلما انتبه أخذ المروحة يروحها فلما انتبهت ورأته يروحها صاحت ، فقال : إنما أنت بشر مثلي أصابك من الخير ما أصابني فأحببت أن أروحك كما روحتني .
















الفصل التاسع
في خلق الصدق 

     المسلم صادق يحب الصدق ويلتزمه ظاهراً وباطناً في أقواله وأفعاله : إذ الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة والجنة أسمى غايات المسلم والكذب هو خلاف الصدق وضده يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار والنار شر ما يخلفه المسلم .
     والمسلم لا ينظر إلى الصدق كخلق فاضل يجب التخلق به بل أنه يذهب إلى أن الصدق من متممات إيمانه ومكملات إسلامه . إذ أمر الله به وأثنى على المتصفين به كما أمر به رسوله وحث عليه دعا إليه قال تعالى في الأمر به : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) (1) 
وللصدق ثمرات طيبة يجتنيها الصادقون وهذه أنواعها : ـ
1ـ راحة الضمير وطمأنينة النفس لقوله  : " الصدق طمأنينة " (2) .
2ـ البركة في الكسب وزيادة الخير . 
3ـ الفوز بمنزلة الشهداء لقوله  : " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه منازل الشهداء وإن مات على فراشه " (3) .
4ـ النجاة من المكروه .
     وللصدق مظاهر يتجلى فيها ، منها : 
1ـ في صدق الحديث .
2ـ صدق المعاملة .
3ـ صدق العزم .
4ـ صدق الوعد .
5ـ صدق الحال . ومن أمثلة الصدق الرفيعة :
خطب الحجاج بن يوسف يوماً فأطال الخطبة فقال أحد الحاضرين : الصلاة فإن الوقت لا ينتظرك والرب لا يعذرك فأمر بحبسه فأتاه قومه وزعموا أن الرجل مجنون فقال الحجاج إن اقر خلصته من سجنه ، فقال الرجل : لا يسوغ لي أن أجحد نعمة الله التي أنعم بها عليّ وأثبت لنفسي صفة الجنون التي نزهني الله عنها : فلما رأى الحجاج صدقه أخلى سبيله .













الفصل العاشر
في خلق السخاء والكرم

     السخاء خلق المسلم والكرم شيمته والمسلم لا يكون شحيحاً ولا نخيلاً . إذ الشح والبخل خلقان ذميمان منشوهما خبيث في النفس وظلمة القلب والمسلم بغيمانه وعمله الصالح نفسه طاهرة وقلبه مشرق فيتنافى مع طهارة نفسه ، وإشراق قلبه وصف الشح والبخل فلا يكون المسلم شحيحاً ولا بخيلاً . والشح وإن كان مرضاً قلبياً عاماً لا يسلم منه البشر إلا المسلم بإيمانه وعمله الصالح كالزكاة والصلاة يقية الله تعالى شر هذا الداء الوبيل ليعده للفلاح : قال تعالى : " وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9) (1) .
      ولما كانت الخلاق الفاضلة مكتسبة بنوع من الرياضة والتربية فغن المسلم يعمل على تنمية الخلق الفاضل الذي يريد أن يتخلق به بإيراد خاطره على ما ورد في الشرع الحكيم من ترغيب في ذلك الحق وترهيب ضده ، قال رسول الله  : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : " اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً " (2) .
ومن مظاهر السخاء : 
1ـ أن يعطي الرجل العطاء في غير مَنّ ولا أذى .
2ـ أن يفرح المعطي بالسائل الذي سأله ، ويسر لعطائه .
3ـ أن ينفق المنفق في غير إسراف ولا تقتير .
4ـ أن يعطي المكثر من كثيره والمقل من قليله في رضا نفس وانبساط وجه وطيب قول .
ومن أمثلة السخاء العالية :
روي أن عائشة رضي الله عنها بعث إليها معاوية رضي الله عنه بمال قدره مائة وثمانون ألف درهم فدعت بطبق فجعلت تقسمه بين الناس ، فلما أمست قالت لجاريتها : هلمي فطوري ، فجاءتها بخبز وزيت وقالت لها : ما استطعت فيما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحماً نفطر عليه ؟ فقالت لها : " لو كنت ذكرتيني لفعلت " .














خــاتمــــة
     الحمد لله رب العالمين هذا هو هدي الطاهر الأمين عليه صلوات الله وسلامه … فمن اتبعه فاز وظفر ومن خالفه خسر .
     فيما تقدم في هذه الفصول بعض من أخلاق المسلم الذي يتوجب عليه أن يقتدي ويتخلق بها وتصبح عادته أساس عقيدته … لينعكس على سلوكه اليومي في جميع معاملاته ليصبح قدوة لغيره من المسلمين .

والحمد لله 

تعليقات