بحث عن حقوق المرأة

للمرأة حقوق وواجبات يجهلها الكثير او قد يكون يعلمها ولا يريد الاعتراف بها ولكن في هذا المقال سوف نتعرف على حقوق المرأة في المجتمع

 المرأة وحقوقها في الحرية
 دأب معظم الذين يكتبون أو يتحدثون في حقوق الإنسان على تقسيم ما يسمونه بحق الحريـة ، إلـى
الحرية السياسية ، والحرية الاقتصادية ، والحرية الاجتماعية ، وربما إلى حرية الدين أو حريـة الاعتقـاد
أيضاً، وقد رأينا أن نجمل هذه الأقسام كلها في بحث واحد ، وهذا هو الذي اقتضى التعبير في هذا العنوان
بكلمة حقوق ، بدلاً من كلمة : الحق ، و ذلك لأن الحرية إذا فُهمت على حقيقتها ، و فُهمت علاقة الإنـسان
بها ضمن حدود وقيود كانت مزية مشتركة في الكم والكيف بين الرجل والمرأة ، ولسوف يتضح أيضاً أن
هذه المزية لا تتجزأ مع تجزأ الأنشطة أو مصالح الإنسانية ، فلا فرق بين أن يمارس الإنسان الحرية التـي
يتمتع بها في نشاط سياسي أو اقتصادي أو ديني أو اجتماعي .
 فالمهم هو أن نعلم - من حيث المبدأ - مدى الحرية التي يقر بها الشارع جل جلاله للإنسان أياً كان،
ونقول : إن أحكام الشارع جل جلاله لها نظرات وأحكام مختلفة ، وذلك احترازاً عن الأعـراف والأنظمـة
الوضعية ، ولكي نفهم ذلك لا بد لنا من فهم النقاط التالية :
أولاً:ماذا نعني هنا بالحرية ؟
 من الواضح أننا لا نعني هنا الحرية الداخلية ، أي قدرة الإنسان على تحكم بذاته والتحرر من قـوانين
بشريته ، فهذا الجانب لا يهمنا هنا ، وذلك سواء فيما يملك الإنسان القدرة على التحكم فيـه داخليـاً ، أو لا
يملك ذلك ، وإنما نعني بالحرية هنا الحريةَ الخارجية ، وهي مدى المرونة التي يتمتع بها الإنسان في التعامل
مع العالم المحيط به ، من حيث سائر الأنظمة و الأنشطة التي تتجلى فيه.
ثانياً: ما موقف الإسلام من هذه الحرية عندما يرغب الإنسان أن يتمتع بها ؟
 إننا إن لاحظنا علاقة الإنسان باالله علمنا أن الإنسان لا يملك أي حرية تجاهه ، أي إن الإنسان لا
يتمتع بأي مرونة سلوكية خارج النطاق أو المجال الذي أُذن له بالمرونة فيه ، وذلك لأن الإنسان عبد مملوك
الله عز وجل ، و كل من أيقن بوجود االله عز وجل يعلم هذا ، فالعبد المملوك لا يملك التمتع بأي حرية تجاه
سيده المالك ، وهذا هو معنى قولنا : (الإنسان مكلف) ؛ أي : هو مسؤول عن جملة وظائف ومهام كلفه االله
بها ، ومن ثم فإنه لا يملك أن يتصرف إلا ضمن ما قد أذن له االله فيه .
 غير أن هذا التكليف الذي يحول دون ممارسة المكلف لحريته بالتصرف ، لا تظهـر آثـاره إلا فـي
الحياة الآخرة التي سماها االله تعالى يوم الحساب ، كما سماها يوم الجزاء ؛ حيث يتعرض المتحرر عن قيود
التكاليف لأنواع من العقاب آنذاك ، كما يلاقي المتقيد بأوامر االله وأحكامه أنواع المثوبة والأجور الممتعـة،
أما في دار الدنيا ، فإن السبل أمام الإنسان تظل مفتحة تمكنه من فعل ما يشاء ومن التصرف علـى النحـو
المرأة وحقوقها في الحرية ، د.محمد سعيد رمضان البوطي 2
الذي يريد على الرغم من أن التكاليف تظل تلاحقه ما دام بالغاً راشداً ، فهو بهذا المعنـى وضـمن هـذا
النطاق يملك حريته ؛ إذ هو غير ممنوع من التصرف في فجاج الحياة على النحو الذي يريد .
 وقد عبر بيان االله تعالى عن هذه الحرية الدنيوية التي أتاحها للإنسان بأبلغ تعبير يؤكد الحرية العاجلة
ويحذر من النتائج الآجلة في هاتين الآيتين :
 " ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . ذرهم يأكلوا ويتمتعوا و يلههم الأمل فسوف يعلمون " .
 [سورة الحجر : 15/2و3 [
 غير أن الذي يشْكِل على هذا أن في التكاليف السلوكية الإسلامية ما قد أنيطت به عقوبـات عاجلـة ،
ومن شأن ذلك أن يفقد المكلف حرية التصرف حياله ، ولا يمكّنه من القدرة على اتخاذ القرار الذي يريد .
مثال ذلك : القتل الذي يستوجب القصاص ، و الزنى الذي يستوجب حد الرجم أو الجلد ، والسرقة التي
يترتب عليها قطع اليد ، و القذف الذي يستلزم الحد...إلخ ، والجواب على ذلك ، أن عقوبات هذه المحرمات
و أمثالها لا تتقرر إلا بعد أن يذعن مرتكبها لأحكام الشريعة الإسلامية ، فلا يكون ذلك بالضرورة إلا بعد
إذعانه لحقائق الإيمان وأركانه . فأما الذي لم يذعن بعد لأحكام الإسلام وشرائعه ، فلا يلاحق قضائياً_ أي
في دار الدنيا _ بفروع الأحكام ، أي (المستلزمات السلوكية للأصول الاعتقادية ) .
 ولكن إذا أذعن الإنسان لكليات العقائد الإسلامية وأعلن عن إيمانه بها واستسلامه لها ، كان ذلك منـه
إيذاناً بضرورة خضوعه للأحكام السلوكية المنبثقة عن إذعانه لتلك الكليات ، وكان مـن حـق القـضاء أن
يلاحقه بتطبيقها و الوفاء بها ، الشأن في ذلك كشأن أي علاقة مشابهة بين دولة ما ومواطنيها المنتسبين إليها
و الخاضعين لأنظمتها وقوانينها .
 وهذا التقييد القضائي _ أي في دار الدنيا _ للحريات ، إنما اقتضته ضرورة رفع الظلم و السوء عـن
الآخرين ، فهو يأتي قصاصاً أو تسوية حقوقية لأولئك الذين حاق بهم الحيف والظلم ، لا جزاء على مخالفة
العاصي لأمر االله عز وجل ، ومن أجل هذا السبب يصبح تقييد الحريات حقاً اجتماعي ورعايةً مدنية لابـد
منها ، وذلك لإشاعة العدل بين الناس وإقامة العلاقات على نحو تعاوني مفيـد ، وقـد كانـت المجتمعـات
الإنسانية ولا تزال تقيد الحريات بهذه الموازين ، لتجعل منها موئلاً للجميع ، لا نصيباً للأقوى أو الأغنـى
أو الأقدر على التحايل واستلاب الحقوق .
 فإذا تبين هذا الذي قلناه ، فقد آن لنا أن نؤكد ما هو واضح من أن علاقة الإنسان بالحرية الداخلية مع
ذاته ، وعلاقته بالحرية الخارجية مع مجتمعه ، تنطبق على كل من الرجل والمرأة على السواء ، فلا دخـل
للرجولة بحد ذاتها أو الأنوثة بحد ذاتها في جوهر الحرية أو نسبة تمتع الإنسان بها .
 لقد تبين لنا أن حرية الإنسان لا يملك التحرر من قوانين بشريته ، ولا شك أن الرجل والمرأة في ذلك
سواء، كما تبين لنا أن حرية الإنسان في علاقاته الاجتماعية , لا يحدها ويضبطها إلا ما تقتضيه حماية
حريات الآخرين ورعاية مصالحهم المشروعة ، ومما لاشك فيه أن الرجل والمرأة في ذلك سواء .
 وها نحن نستعرض الجوانب التي يمكن أن تكون مثاراً للجدل ضمن هذا الإطار
أولاً-حرية العمل :
 إن الأعمال المشروعة التي أباحها الإسلام للرجل ، هي ذاتها التي أباحها للمرأة ، والأعمال الشائنة التي
حرمها االله على الرجال هي ذاتها التي حرمها على النساء .
 غير أن االله تعالى ألزم الرجال بآداب سلوكية و اجتماعية ، فاقتضى ذلـك أن تكـون أعمـالهم التـي
يمارسونها خاضعة لتلك الضوابط والآداب ، وألزم النساء أيضاً بآداب سلوكية واجتماعية ، فكان عليهن أن
لا يخرجن في أعمالهن التي تمارسنها على شيء من تلك الأحكام والآداب.
فعلى سبيل المثال : إن االله فرض على المرأة التقيد بمظاهر الحشمة ، و حرم عليها الخلوة بالرجال الأجانب
كما حرم عليهم ذلك ، فلا يجوز لها أن تمارس من الأعمال ما قد تضطرها إلى الخلوة أو إلى التخلي عـن
حشمتها المطلوبة... كما أنه لا يجوز للرجل أن يباشر من الوظائف أو الأعمال ما قد يزجه في خلوة محرمة
أو يعرضه للفتنة من جراء اختلاطه بنساء غير ملتزمات بضوابط الحشمة المطلوبة ، فإذا انتفى هذا المحذور
- وهو محذور في حق كل من الرجل والمرأة كما قد رأينا - كان للمـرأة أن تمـارس أي وظيفـة مـن
الوظائف المشروعة ، كما كان لها أن تباشر أي عمل من الأعمال المباحة في أصلها ، سواء كانت صـناعة
أو زراعة أو تجارة أو غير ذلك .
 غير أن الأعمال الوظيفية والمهنية عندما تتزاحم بحكم المتطلبات الأسرية و الاجتماعية ، فـلا منـاص
عندئذ من اتباع ما يقتضيه سلّم الأولويات في تفضيل الأهم ، فما دونه ، فما دونـه ، مـن حيـث رعايـة
الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينيات من مصالح المجتمع.
 إن المرأة المتزوجة التي أنجبت أطفالاً ، يلاحقها المجتمع بطائفة من الأعمال الكثيرة ، التي لا تقـدر
في الأغلب على النهوض بها كلها ، فهي ملاحقة برعاية زوجها و توفير مقومات إسعاده ، وهي ملاحقة في
الوقت ذاته برعاية أطفالها و تربيتهم ، كما أنها بحكم ثقافتها و اختصاصها العلمي الذي تتمتع به ، مـدعوة
إلى أن تساهم في خدمة مجتمعها من خلال وظيفة تعليمية في إحدى المدارس ، و قـد تكـون ذات نـشاط
اجتماعي فهي مدعوة بحكم مزيتها هذه إلى أن تبذل من نشاطها هذا ما تساهم به في الخدمـة فـي رعايـة
مجتمعها وحل بعض مشكلاته ، لكن الوقت لا يسعفها في النهوض بسائر هذه المهام و الوظائف ، و هـي
كلها جيدة و مفيدة ، فما الحل الذي يجب المصير إليه ؟
وجوب رعاية سلم الأولويات :
 ليس ثمة حل منطقي سليم إلا اللجوء إلى ما تقتضيه رعاية سلّم الأولويات ، وسلّم الأولويات فيما يقرره
سائر علماء الاجتماع يقول : إن نهوض الزوجة الأم بمسؤولية رعاية زوجها وتربية أولادها والعمل على
تنشئتهم النشأة الصالحة ، يرقى إلى مستوى الضروريات من مصالح المجتمع، و ذلك لأن صلاح الأسرة هو
الأساس الأول لصلاح المجتمع ،فإذا فسدت الأسرة وعصفت بها رياح الفوضى والإهمال، فإن سائر الأنشطة
المرأة وحقوقها في الحرية ، د.محمد سعيد رمضان البوطي 4
العلمية و الثقافية يتبعها سائر القوى والمدخرات الاقتصادية ،لا يمكن أن يحلّ محل الأسرة في إقامةالمجتمع
على نهج سوي.. إن المجتمع كان ولا يزال هو التابع لحال الأسرة وما هي عليه من صلاح وفساد ، ولم
يثبت عكس ذلك في وقت من الأوقات ، وانطلاقاً من هذا الواقع ، فإذا لم تتمكن الزوجة الأم من الجمع بين
النهوض بمهام الأسرة ، والأنشطة الثقافية والاجتماعية الأخرى ، فإن عليها_ فيما يقضي به اتباع سلم
الأولويات _ أن توفر وقتها للنهوض بالضروري الذي هو السهر على رعاية الأسرة ، وإن اقتضى ذلك
التضحية بوظائف وأعمال أخرى ،ويزداد الحق في هذا الذي نقوله وضوحاً، عندما تجد الزوجة نفسها مندفعة
إلى الوظيفة أو العمل ، لمجرد طمع في وجاهة اجتماعية أو لمجرد رغبة في التمتع بمزيد من المال إنها في
هذه الحالة تغامر- بدون شك - بحياتها الزوجية أو بالسعادة التي ينبغي أن تشيع بينها وبين زوجها، كما أنها
تغامر بما قد يكون أهم من ذلك ، ألا وهو رعاية الأولاد و التفرغ لحسن تربيتهم في سبيل هوى من الأهواء
العابرة ، وابتغاء متعة سرعان ما تتحول إلى أعباء ثقيلة من المغارم ، ولكي يتيسر السبيل أمام المرأة للتقيد
بمقتضى سلم الأولويات هذا ، وكي لا ترى عنتاً في إلزامها نفسها بذلك ، فقد كفتها الشريعة الإسلامية مؤونة
النفقة على نفسها و أولادها ،ووفرت لها الجهد الذي كان ينبغي أن تبذله لذلك ، وذلك عندما ألزمت الزوج
بالإنفاق عليها وعلى أولادها .
 ولنتأمل في هذا النص القرآني الذي يربط بين المهمة القدسية التي ينبغي أن تتفرع لها كل زوجة أم،
والكفاية التي ضمنتها لها ، بما قد ألزمت الزوج به من الإنفاق عليها و تقديم كل أسباب الكفاية والحياة
الكريمة لها ، وهو قوله االله عز وجل :
 (( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ، وعلى المولود له رزقهن
وكسوتهن بالمعروف ، لا تكلَّف نفس إلا وسعها ، لا تضار ّوالدة بولدها ، ولا مولود له بولده وعلى الوارث
مثل ذلك...)) .
 .[233/2: البقرة[
 إن ملاحظة الشارع هنا هي أن الزوجة في كل الأحوال مسؤولة عن رعاية الأسرة وحمايتها من
عوامل التفسخ والفساد ، وعلى الرغم من أنها مسؤولية مشتركة يتحملها الزوجان معاً ، فإن هنالك وظائف
حساسة و خطيرة لا يصلح للنهوض بها إلا الأم ، ولما كانت حاجة الكدح من أجل الرزق تشكل عثرة
كبرى من شأنها أن تصد الزوجة الأم عن النهوض بهذه المسؤولية- كما هي الحال في المجتمعات الغربية-
فقد قضى الشارع على هذه العثرة وأبعدها عن طريق الزوجة , وذلك عندما حمل الزوج مسؤولية كفايتها
المعيشة على المستوى اللائق من التكريم .
 وليكن معلوماً أن هذا التيسير الذي حققه الشارع أمام المرأة ، بين يدي اتباعها لمـا يقتـضيه سـلّم
الأولويات لا يعني أنه حرم عليها ممارسة الوظائف و الأعمال الأخرى خـارج المنـزل ...بـل إن بـاب
الوظائف والأعمال المختلفة ، يظل مفتوحاً أمامها كما هو مفتوح أمام الرجل ، ولكن ضرورة البدء بـالأهم
المرأة وحقوقها في الحرية ، د.محمد سعيد رمضان البوطي 5
فما دونه ، فما دونه ، واجب تنسيقي يخاطب به المنطقُ الفكري والاجتماعي كلاً من المرأة والرجـل علـى
السواء.
فعلى سبيل المثال : إذا اقتنع الزوجان بأن الوظائف البيتية أقل من أن تملك على الزوجة كامل وقتها فلا مانع
شرعاً من أن تنفق فضول وقتها في أي عمل صالح تؤديه خارج المنزل ، على أن تأخـذ بعـين الاعتبـار
الآداب والضوابط التي يجب أن تلتزم بها ، حتى إذا رأيا أن عملها هذا يخل بالأهم من ضـرورات رعايـة
الأسرة وحمايتها من الآفات التي تتربص بها ، كان عليهما أن يتخذا القرار المتفق مع مبدأ تدرج المـصالح
الاجتماعية .
 وانظر إلى المجتمعات الغربية اليوم ، كم تندب حظها التعيس في انهيار الأسرة الغربية ، وفـي تحـول
المنازل التي كانت يوماّ ما خلايا مقدسة لأسر متماسكة ، إلى (موتيلات) صغيرة يأوي إليها أشخاص تقطعت
مما بينهم صلات التعاون والقربى ، فلم يعد يجمعهم إلاّ المبيت في هذه الملتقيات ثم تساءل معي : ما الـذي
جعل صلات القربى – وهي موجودة – تتقطع فيما بينهم ؟ إن الذي قطع هذه الصلة ، إنما هو استقلالية كل
من أعضاء الأسرة الواحدة في تحمل مسؤوليات نفسه فالزوجة الأم ، والبنت الرشيدة البالغة ، والزوج الأب،
كل منهم مسؤول عن نفسه ، ومن ثم فعلى كل منهم أن يبحث عن معيشته التي يحلم بها ، من خلال جهـده
الشخصي وكد يمينه ، إن انصراف كل منهم سعيداً وراء هذه الحاجة الذاتية المفصولة عن الآخرين ، قطـع
شبكة القرابة مما بينهم ثم أخمد حرارة الرحم الإنساني التي كانت مهمتها صهر أعضاء الأسرة الواحدة فـي
بوتقة نموذجية من وحدة التلاحم والتعاون الاجتماعي الصغير ، وهذا هو بالـضبط معنـى تفكـك الأسـرة
وانهيارها ، ولهذا الواقع المأساوي الذي يئن الغرب تحت وطأته اليوم صورة ومضمون ، ينهما بعد النقيض
عن النقيض.
أما الصورة :
 فهي الاستقلال الاقتصادي الذي تتمتع به المرأة الغربية ...و يخدع به اليوم طائفة كبيرة مـن المغفلـين
والمغفلات في مجتمعات العالم الثالث .
وأما المضمون :
 فهو قهر الرجل المرأةَ على العمل خارج المنزل لتسد حاجة نفسها ، ولو اقتضى ذلك أن تسحق أنوثتها
في غمار الأعمال القاسية والمضنية ، بعد أن يقهرها على مضاجعته في فراش الزوجية ، ثم يقهرها علـى
التخلي عن وظيفة أمومتها والتفرغ لرعاية بيتها وأولادها ، فإن ضاقت بذلك ذرعاً وأعلنت احتجاجها علـى
هذا الظلم ، أحيلت إلى قطيع النساء المطلقات ، بعد أن تنال نصيبها الأوفى من الإيذاء والـضرب ، وهـو
قطيع كبير ، لا سيما في أمريكا ، و يمثل أكبر مجتمع مأساوي في الغرب اليوم .
 أما شريعة الإسلام ، فقد حصنت المرأة آمنة مطمئنة في مملكة أنوثتها ، ويسرت لها الـسبيل الأمثـل
لتكون عضواً صالحاً في أسرة سعيدة صالحة تتفرغ لرعايتها و حمايتها من كل سوء و آفة ، و فتحت أمامها
المجال في الوقت ذاته لتمارس ما تشاء من الأنشطة الاجتماعية ، و تنهض بما قد يناسـبها مـن الوظـائف
المرأة وحقوقها في الحرية ، د.محمد سعيد رمضان البوطي 6
والأعمال المفيدة ، إشباعاً منها لهواية أو رغبة ، لا انسياقاً ذليلاً وراء ضرورة ملجئة ، فإن كنت ممـن لا
يزال يلح على أن هذا الموقف من الشارع يفقد المرأة استقلالها الاقتصادي ويبعدها عن مجال تحقيق الذات .
فاسمع ما تقوله الكاتبة الألمانية المعروفة : إسترفيلار في واحد من أشهر كتبها :
 ( إن المحاولة الوحيدة لدفع المرأة إلى العمل خارج المنزل ، و بالتالي إلى تطوير ذكائها ، إنما تصدر من
المناصرين لحقوق المرأة ، إذ يقولون : على المرأة الحقيقية أن تسعى لتحقيقها ذاتها ، ولن يتسنى لها ذلك إلا
إذا غادرت مثل الرجل دائرة المنزل قصد العمل ، بيد أن هذه الحيلة الواهنة لا يمكن أن تنطلي على النساء ،
فهن و لا شك سخيفات العقل ، غير أن سخافتهن لا تصل إلى حد سخافة المناصرين لحقوق المـرأة ، إذ إن
الخروج إلى العمل مثل الرجل ، يعني بالنسبة إلى المرأة القيام وحدها بأود عائلة كاملة ... ورغم أن مجـال
العمل في جل القطاعات مفتوح للمرأة منذ نصف قرن ، فإننا لم نسمع لحد الآن ، ولو عن حالـة واحـدة ،
عملت المرأة فيها من تلقاء نفسها و طوال حياتها ، بغية تغذية عائلة ) .
ثانياً_الحرية السياسية:
 إن ما قلناه عن الحرية الخارجية ، أي مدى ما يملكه الإنسان من حرية في علاقاته الاجتماعية ، كمـا
رأيناه في انطباقه على حرية العمل لدى المرأة ، سنجده ينطبق هو ذاته على الأنشطة السياسية التي بوسـع
المرأة أن تمارسها ، إننا إن استثنينا رئاسة الدولة التي كثيراً ما يعبر عنها بالخلافة عن رسول االله صلى االله
علية وسلم ، فإن سائر الرتب و الأنشطة السياسية الأخرى ، تعد في الشريعة الإسلامية ، مجـالات متـسعة
لكل من الرجل و المرأة .
موقف الشريعة الإسلامية من إسناد رئاسة الدولة إلى المرأة :
 لنبدأ ببيان موقف الشريعة الإسلامية من إسناد رئاسة الدولة إلى المرأة ، وبيان الحكمة من ذلك .
يقول رسول االله صلى االله علية وعلى آله وسلم , فيما رواه البخاري وأحمد و الترمذي والنسائي من حـديث
أبي بكرة : (( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )) .
ومن المعلوم أنه صلى االله عليه وسلم قال ذلك عندما هلك شيرويه، أحد ملوك الفرس وتولت الملك من بعـده
ابنته بوران ، وقد استدل جمهرة علماء الشريعة الإسلامية بهذا الحديث الصحيح ، على حرمة إسـناد مهـام
الخلافة أو ما يسمى اليوم برئاسة الدولة إلى المرأة أياً كانت ، وعلى أن البيعة لا تنعقد لها شرعاً، ولكن مـا
الحكمة من هذا الحجر الذي جاء خاصاً ، وبموجب نص صريح ؟ الحكمة هي :
 1 -أن هناك قسماً كبيراً من المهام التي يقوم بها الخليفة أو من يحلّ محلّه , دينيه محضة , وليست سياسة
مجردة , فمن مهام الخليفة جمع الناس على صلاة الجمعة وخطبتها ، و هي مهمة دينية محـضة كمـا هـو
واضح ، ومن المعلوم أن المرأة غير مكلفة بصلاة الجمعة ولا بالحضور لها , للأسباب التي سبق ذكرهـا ،
فكيف تقود الناس و تشرف عليهم في عمل هي غير مطالبة به ؟
فإن قلنا : فلينب عنها من يقوم بهذا الواجب من الرجال ، أشكلت على ذلك القاعدة الفقهية القائلـة بأنـه لا
تصح الوكالة إلاّ عمن يستوي مع الوكيل في المطالبة بذلك الحكم وشرائط صحته و انعقاده.
المرأة وحقوقها في الحرية ، د.محمد سعيد رمضان البوطي 7
 2 -ومن مهام الخليفة : إعلان حالة الحرب مع من اقتضى الأمر محاربتهم و قتالهم ، وقيادته الجيش في
عمليات القتال ، ومن المعلوم أن المرأة غير مكلفة بالجهاد القتالي إلا عند النفير العام , أي عند مداهمة العدو
دار الإسلام واقتحامه لأراضي المسلمين ، فكيف يستقيم منها أن تقود الناس في عمليات هي غير مكلفة بها ؟
ومثل ذلك إعلان الهدنة والصلح و نحو ذلك ...مما يعد نتائج و فروعاً لحالة الحرب و الإعلان عنها
والمعلوم أن الذي لا يكلف بأصل الشيء ومصدره , لا يكلف بشيء من فروعه آثاره .
 3 -ومن مهام الخليفة كذلك الخروج بالناس إلى صلاة العيد , و إلى صلاة الاستسقاء ، وإلقاء الخطبـة
المتعلقة بالصلاتين ، والمرأة قد لا تكون في وضع يخولها القيام بهذه المهام و نحوها , ممـا هـو كثيـر ،
فاقتضى ذلك أن لا تزج المرأة في هذه المحرجات دونما ضرورة تستدعي ذلك ، والواقع أنـه لـيس ثمـة
ضرورة تقتضي تحميل المرأة هذه المحرجات .
 و بقطع النظر عن هذا السبب الذي يتلخص في أن كثيراً من مهام الخلافة أو ما يقوم مقامها من رئاسة
الدولة من وجهة نظر الشريعة الإسلامية هي مهام دينية مجردة ، فإن الواقع التاريخي منذ أقـدم عـصور
الحضارة الإنسانية ، وكان ولا يزال متفقاً مع هذا الذي قررته الشريعة الإسلامية ، فإذا تأملنا في أسماء من
نصبوا ملوكاً أو رؤساء لدولهم : منذ أقدم العصور إلى هذا اليوم , خارج المجتمعات الإسلامية , وجـدنا أن
غالبيتهم العظمى كانوا رجالاً , بل إنك لا تكاد تعثر على أسماء نساء تولين رئاسة الدولة أو الملك , أكثر من
عدد أصابع اليدين ، ولا شك أن هذا يدلّ دلالة واضحة على أن تلك المجتمعات مقتنعة , رجالاً و نساء ، بما
قد قضى به الإسلام و إلا فلماذا لم ترتفع نسبة الرؤساء و الملوك من ذوي السلطة الحاكمة من النساء ، إلى
النصف أو إلى الربع أو إلى عشر أمثالهن من الرجال طوال هذه الأحقاب المنصرمة كلها ؟ لماذا لم نـسمع
عن امرأة تولت الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ فجر ولادة هذه الدولة إلى اليوم ؟ بل لمـاذا لـم
نسمع عن أي امرأة رشحت نفسها للرئاسة ؟ وهي الدولة التي تهيب بالنساء في العالم العربي و الإسلامي أن
يكافحن لنيل هذا الحق !!..
 فإذا تجاوزنا مهمة الخلافة أو رئاسة الدولة ، إلى الوظائف و المهام السياسية الأخرى ، فإننا لا نكاد
نجد مدخلاً لخصوصية الذكورة و الأنوثة في الأمر .
 ولنستعرض هذه الوظائف والمهام , متدرجين من الأدنى إلى الأعلى .
أولى هذه المهام وأدناها :
 مبايعة الحاكم , وتدخل في حكمها مبايعة من يختارون ممثلين عن الأمة أوالشعب في مجالس الشورى ،
فمن المعلوم أن الرئيس أو الخليفة تتوقف رئاسته الشرعية على مبايعة أهل الحل والعقد له ، و يستثنى مـن
ذلك ما لوا استقر الأمر للحاكم عن طريق الغلبة والقهر ، فإن البيعة عندئذ تصبح مجرد واجب مستقر فـي
أعناق الناس ، وتسقط أهميتها أو قيمتها في استقرار الحكم للشخص المبايع له ، ومن المعلوم أن هذه البيعة
عمل سياسي لا واجب ديني ، إذ إن الذين دخلوا الإسلام يوم فتح مكة , إنما أصبحوا مسلمين بإعلانهم عـن
استسلامهم الاعتقادي و السلوكي لأركان الإسلام ، ولم تكن مبايعتهم لرسول االله شرطاً لا بد منـه لـصحة
المرأة وحقوقها في الحرية ، د.محمد سعيد رمضان البوطي 8
إسلامهم ، ومع ذلك فقد هرعوا إلى مبايعته صلى االله عليه وسلم كما هو معلوم . فما هو وجه الحاجة التـي
دعت إليها ؟ إن وجه الحاجة , ضرورة الإعلان عن الانقياد للسلطة السياسية التي يتمتع بهـا رسـول االله
صلى االله عليه وسلم ، ومما لا شك فيه أنه صلى االله عليه وسلم يتمتع – بعد هجرته إلى المدينة واسـتقراره
فيها وتحولها إلى أول دار إسلام _ بشخصية النبي المرسل والمبلغ عن االله عز وجل , وبشخـصية الإمـام
الراعي لمصالح الأمة ، فعلاقة المسلم برسول االله نبياً مبلغاً عن االله تقوم على نهجها السوي بإسلامه وإيمانه
أما علاقته به إماماً و قائداً للأمة ، فإنما تقوم على نهجها السليم بمبايعته على السمع والطاعة فـي المنـشط
والمكره بوصف كونه إماماً وقائداً للمسلمين.
 إذن فبيعة أفراد الأمة أو الشعب لرئيس الدولة هو أداء لمهمة سياسية يلزم بها الدين ، بدءاً من المبايعة
التي تمت لرسول االله يوم الفتح ، ومروراً بمبايعة سائر الخلفاء والحكام من بعده إلى يومنـا هـذا ، وهـذه
المبايعة السياسية التي يأمر بها الدين ، يستوي في المطالبة والتكليف بها الرجال والنـساء معـاً ، دون أي
فرق.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة أم المؤمنين أن رسول االله صلى االله عليه وسلم كان يبـايع
النساء بالكلام , أي دون مصافحة ، وقصد فصل كل من ابن هشام في سيرته و الطبري في تاريخه القـول
في مبايعته صلى االله عليه وسلم للنساء يوم فتح مكة.
 فإذا تبين هذا , فإن القول ذاته يرد في مبايعة أو انتخاب المرأة لأعضاء مجلس الشورى ، وذلك لأن
مناط الحكم ومصدره واحد في الحالتين ، فصحيح أن مجلس الشورى لم يكن يعين فيما مضى , عن طريق
الانتخاب أو المبايعة , وإنما عن طريق اختيار الدولة لمن يسمون بأهل الحل والعقد , ولكن لما أحالت الدولة
حق الاختيار هذا إلى الشعب _ وهذا سائغ ومبرر شرعاً _ كان لابد أن يستوي في ذلك الرجال والنساء ،
بمقتضى حق الإحالة التي منحته الدولة , وبمقتضى الحق الشرعي الذي منحه الشارع لهما فيما هو أخطر
وأهم ألا وهو حق اختيار الإمام ومبايعته.
ثاني هذه المهام :
 الاشتراك في عضوية مجالس الشورى على اختلاف أنواعها ومراتبها ، فبقطع النظر عن الأشكال
والأساليب التي تطورت إليها هذه المجالس ، بل التي يمكن أن تتطور إليها أيضاً في المستقبل , فإن المبدأ
هو أن اعتماد الدولة على مجلس الشورى في كل ما يصدر عنه من قرارات وأحكام اجتهادية لا نص يلزم
بها واجب شرعي يدخل في جوهر الدين وأسسه الراسخة .
 وكلنا قرأ ووعى في ذلك قوله االله عز وجل خطاباً لرسوله بوصفه الإمام الأول لهذه الأمة:
 (( فبما رحمة من االله لنت لهم . ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك . فاعف عنهم ، واستغفر
لهم وشاورهم في الأمر ، فإذا عزمت فتوكل على االله إن االله يحب المتوكلين )) .
[آل عمران :3/159 [
وكلنا قرأ ووعى بعد ذلك قوله عز وجل ، وهو يصف سلسلة المجتمعات الإسلامية السائرة على نهج الرعيل
المرأة وحقوقها في الحرية ، د.محمد سعيد رمضان البوطي 9
الأول ، وانضباطها بأوامر االله وهدية : (( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ..))
 .[38/42:الشورى[
 فهذا الواجب الذي كلف االله به إمام الأمة أو رئيس الدولة , جعله االله في الوقت ذاته حقـاً ثابتـاً مـن
حقوق الأمة ، أي هو واجب تكلف بتنفيذه الدولة ، وحق تتقاضاه الأمة ، ونظراً إلى أن الأمـة أو الرعيـة
أو الشعب على حد العبارة الدارجة , تتألف دائماً من شطري الرجال والنساء ، فإن حق الـشورى مـستقر
بحكم االله وشرعته لهذين الشطرين من النساء والرجال .
تطبيق هذا الحكم في عصر النبوة :
 وقد جرى تطبيق هذا الحكم في عصر النبوة بأجلى صوره التي لم تدع مجالاً لأي خلاف فيه .
فقد صح عن رسول االله صلى االله عليه وسلم أنه دخل يوم صلح الحديبية على أم سلمة يشكو إليها أنه أمـر
أصحابه بنحر هديهم وحلق رؤوسهم فوجموا ولم يفعلوا . فقالت : يا رسول االله أتحب ذلـك ؟...اخـرج ولا
تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك . فخرج رسول االله صلى االله عليه وسلم وفعل ما
قالته أم سلمة ، ولعمري إن رسول االله لفي غنى بما وهبه االله من حنكة وحكمة في القول والعمل ، عـن أن
يستشير أم سلمة ولكنه , كما ذكر الحسن البصري وغيره , أحب أن يقتدي به الناس في ذلك , وأن لا يشعر
أحد منهم بمعرة في مشاورة امرأة قد يرى نفسه أكثر منها علماً وأنفذ بصيرة وفهماً .
 تطبيق الصحابة لهذا الحكم :
 وقد كان الصحابة يستشيرون النساء ، وكان في مقدمة من يفعل ذلك عمر رضي االله عنه .
فقد روى ابن الجوزي عن يوسف بن الماجشون, قال : قال لي ابن شهاب ولأخ لي ولابن عم لـي ونحـن
صبيان : لا تستحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم . فإن عمر بن الخطاب رضي االله عنه كان إذا أعيـاه الأمـر
المعضل دعا الأحدث (الشباب ) فاستشارهم لحدة عقولهم , وكان يشاور النساء .
وروى ابن حجر في الإصابة عن أبي هريرة عن أبيه ، قال ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا
عندها فيه علماً ، وقال عطاء بن أبي رباح : كانت عائشة أفقه الناس وأحسن الناس رأياً في العامة .
وقد كان عمر رضي االله عنه يستشيرها في كل ما يتعلق بأمور النساء ,وأحوال رسول االله البيتية كما كـان
يستشير غيرها من النساء ، وقد استشار ابنته حفصة في المدة التي ينبغي أن تحدد لابتعاد الرجل عن زوجته
في المهام الجهادية ونحوها ، فأشارت عليه بأن يكون أقصى مدة غياب الرجل عنها أربعة أشهر ، فأمـضى
كلامها واتخذ من ذلك أجلاً أقصى للبعثات التي يوفد إليها الرجال .
 وكان أبو بكر وعثمان وعلي يستشيرون النساء ....ولم نجد في شيء من بطون السيرة والتاريخ أن أحداً
من الخلفاء الراشدين أو الصحابة حجب عن المرأة حق استشارتها والنظر في رأيها ، كما أننا لم نعثر فيما
صح من حديث رسول االله صلى االله عليه وسلم وسنته على ما يدل صراحة أو إشارة ، على أن المرأة لا
حق لها في الشورى ، ولم نجد أنه صلى االله عليه وسلم تعتمد أن يتجنب مشاورة النساء في بعض مما قد
يشاور فيه الرجال .
المرأة وحقوقها في الحرية ، د.محمد سعيد رمضان البوطي 10
شاوروهن وخالفوهن !!
 أما الكلام الغريب الدائر على كثير من الألسن ، و الذي قد يتلقاه بعض العامة من الناس على أنه حديث
من كلام رسول االله ، وفيه "...شاوروهن و خالفوهن وأسكنوهن الغرف ، وعلموهن سورة النور ". فلـم
أجد من رواه حديثاً عن رسول االله ، لا بسند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع ، وربما رواه بعضهم وربما
روي نحوه من كلام عمر . ولكن لم يصح عنه شيء من ذلك . بل المعروف كما قد رأيت نقيض هذا الكلام
، فقد كان يشاورهن و يأخذ بمشورتهن .
ما عليه جمهور الفقهاء :
 واعتماداً على هذه الأدلة الثابتة من عمل رسول االله صلى االله عليه وسلم وعمل صحابته ، فقد ذهب
جمهور الفقهاء إلى أن الشورى تلتقي مع الفتوى في مناط واحد ، فكل من جاز له أن يفتي ممن توافرت لديه
شرائط الفتوى ، جاز له أن يشير , وجاز للإمام وللقاضي أن يستشيره ويأخذ برأيه . ومعلوم أن الذكورة
ليست شرطاً في صحة الفتوى ولا في تبوء منصبها .
 - يقول الماوردي في ( أدب القاضي ) : إن كل من صح أن يفتي في الشرع ، جاز أن يشاوره القاضي
في الأحكام ، فيجوز أن يشاور الأعمى والعبد والمرأة .
 وهذا كلام عامة الفقهاء ، فكلهم يؤكدون أن على القاضي أن يستشير قبل اتخاذ الأحكام ، كما يؤكدون أن
الرجل والمرأة في الاستشارة سواء ، ولم نجد في مقابل هذا الاتفاق أي نص أو رواية تتضمن حجب حق
الشورى عن المرأة ، في نظر أحد من الفقهاء .
 غير أن هذا الحكم الواضح - كما قد رأيت في كلام الفقهاء الأقدمين وفي عمل رسول االله وأصحابه -
اتسم بقدر من الاضطراب ، بسبب ما كتبه بعض الفقهاء المعاصرين ، ولعل في مقدمتهم الشيخ أبا الأعلى
المودودي فقد صرح في كتابه ( نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور ) بأن الذكورة شرط
من شروط الأهلية لمجلس الشورى ، مخالفاً بذلك الهدي النبوي وعمل الصحابة واتفاق جمهور الفقهاء ،
و استدل على اجتهاده المخالف هذا بأن المستشار يمارس بشوراه نوعاً من القوامة .
و قد قال االله عز وجل :
(( الرجال قوامون على النساء )) .
 . [34/4 : النساء[

 و بقطع النظر عما سنقوله لاحقاً إن شاء االله في القوامة ومعناها في كتاب االله عز وجل ، فإننا نتساءل
في عجب : ما علاقة القوامة بالشورى ؟ و ما هو وجه اللزوم بينهما ؟ فإن من آداب القضاء أن يستشير
القاضي حتى من هو دونه في المعرفة و اتساع العلم وعمق النظر ، كما ذكر الفقهاء , مستدلين بأنه قد
يوجد لدى المفضول ما لا يوجد لدى الفاضل ، فهل من مستلزمات الشورى أن تصبح للمستشار المفضول
قوامة على المستشير الفاضل ؟ ثم ما قيمة هذه الحجة بعد عمل رسول االله وعمل أصحابه ؟
المرأة وحقوقها في الحرية ، د.محمد سعيد رمضان البوطي 11
 إن المشورة مهما كانت صفتها ، ومهما تطورت أطرها و أساليبها التنظيمية ، لا تعدو أن تكون مظهراً
من أبرز مظاهر التعاون للوصول إلى معرفة الحق و التواصي به ، و المسلمون و المسلمات كلهم شركاء
في تحمل هذه المسؤولية التي هي سياسية في مظهرها ، ولكنها كثيراً ما تكون دينية و اجتماعية و اقتصادية
في مضمونها ، نعم إن مجلس الشورى ليس من اختصاصه - فيما يقضي به الإسلام - أن يشرع أحكاماً
تتصادم أو تخالف شرع االله وحكمه ، ولكن هذا المنع لا علاقة له بنوع الأشخاص الذين يشرعون تلك
الأحكام ،إذ إن الحظر في ذلك متجه إلى الرجال و النساء على السواء ونحن لسنا بصدد هذا البحث الآن.
ثالث هذه المهام :
 الوظائف السياسية على اختلافها وتفاوت درجاتها ، ومن أبرزها الوزارات وما في حكمها ، إن المرأة
التي هي أهل من حيث المبدأ و الاختصاص لإحدى هذه الوظائف , والتي تكون على استعداد لأن تضبط
نفسها و سلوكها بالضوابط الدينية التي أمر بها االله عز وجل ، مما قد مر بيانه أو التذكير به ، ليس في
الشرع ما يمنع من ممارستها لتلك الوظيفية ، بسبب أنها امرأة ، وبتعبير آخر ، وربما أوضح نقول : إن
الحظر الذي نطق به رسول االله صلى االله علية وسلم ، هو ذاك الذي تضمنه قوله عليه السلام :
 "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ".
إنما هو خاص _ كما قد علمت _ بإمامة الأمة أو رئاسة الدولة ، إذ هو يعني بوران التي نصبت ملكة في
المملكة الفارسية على قومها ، وإنما يسري هذا الحكم على نظائره في المجتمعات الإسلامية .
 وتبقى الوظائف والمهام السياسية التي هي دون ذلك ، والتي قد تكلف بها المرأة ، مسكوتاً عنها ، وقـد
علمنا أن الأصل في الأشياء كلها الإباحة , حتى يرد ما يخالف ذلك من الحظر ، و هـذا يعنـي أن سـائر
الأنشطة السياسية التي قد تمارسها المرأة مما هو دون رئاسة الدولة ، داخل في عموم حكم الإباحة ، بشرط
أن تكون المرأة أهلاً لها ، مع تقيدها بأوامر الدين وآدابه و ضوابطه .
 و الغريب أن الماوردي شرط في كتابه ( الأحكام السلطانية ) الذكورةَ في صحة تقليد الوزارة سواء
كانت وزارة تفويض أو تنفيذ ولم يشرطها في الإمامة الكبرى أو ما يسمى اليوم برئاسة الدولة ، ولعمري إن
عدم اشتراطه لها سهو في الثانية , لصريح حديث رسول االله في ذلك , كما أن اشتراطه لها ينبغي أن يكون
سهواً في الأولى ، إذ هي ليست مشمولة بمضمون الحظر الذي عناه رسول االله صلى االله عليه وسلم ...نعم
إن وزارة التفويض يمكن إدخالها اجتهاداً في حكم الإمامة الكبرى ، إذ هو يقصد بها نوعاً من النيابة عن
الإمام في القيام ببعض أعبائه ، و القائم بمثل هذه النيابة لا يسمى في اصطلاح هذا العصر وزيراً ، بل
يسمى نائباً عن رئيس الجمهورية ، ومن المقبول اجتهاداً أن تأخذ هذه الوظيفة في شرائطها حكم رئاسة
الدولة ذاتها . ومثلها وظائف الولاية التي ينوب فيها الوالي عن إمام المسلمين أو رئيس الدولة .
 ومن الوظائف التي قد تندرج في سلك الوظائف السياسية ، القضاء ، فهي وإن كانـت تعنـى بتنفيـذ
الأحكام الشرعية بين المتخاصمين ، إلا أنها من حيث هي جزء من نظام الحكم في الإسلام ، كما تعد جزءاً
من البنيان السياسي للدولة .
المرأة وحقوقها في الحرية ، د.محمد سعيد رمضان البوطي 12
 غير أن العلماء اختلفوا في حكم إسناد وظيفة القضاء إلى المرأة . فذهب أكثـر الفقهـاء إلـى اشـتراط
الذكورة فيمن يتولى القضاء ، وذهب الحنفية إلى عدم اشتراط ذلك في أعمال القضاء المدني ، نظـراً إلـى
صحة شهادتها في سائر القضايا المدنية ، أما في الحدود والقصاص فقد وافق الحنفية الجمهور في اشـتراط
الذكورة ، نظراً لعدم نفاذ شهادتها في الجنايات ، وأقول : إننا سنتحدث عن حكم شهادة المـرأة فـي هـذه
الأمور كلها والحكمة من ذلك ، فيما بعد إن شاء االله .
 أما ابن جرير الطبري : فذهب إلى جواز إسناد وظيفة القضاء إلى المرأة مطلقاً ، مستدلاً بأن القضاء
مثل الفتوى ، ولما كان إسناد وظيفة الفتوى إلى المرأة جائزاً بالاتفاق ، اقتضى ذلك أن يكون إسناد القـضاء
إليها أيضاً جائزاً وأن يكون حكمها في شؤون القضاء نافذاً .
 وقد نقل ابن حجر في فتح الباري عن بعض المالكية أنهم أطلقوا الحكم أيضاً بجواز إسناد مهام القضاء
إلى المرأة ، أي في الجنايات وغيرها ...ولكني لم أجد فيما لدي من المراجع وأمهات مصادر الفقه المـالكي
ما يؤيد هذا النقل .
وفي نهاية الحديث عن هذا الجانب الذي يضمنه الشارع من حق الحرية للمرأة ، يجب أن نعيد إلى الذاكرة
ما قلناه من أن مدار هذه الأحكام التي ذكرناها على شيئين اثنين :
أولهما: أن تتصف المرأة التي ترشح لشيء من هذه الوظائف بالمزايا والمؤهلات التي تـضمن أن يكـون
قيامها بأعباء تلك الوظيفة محققاً للخير الذي يتوخى للمجتمع من ورائها ، وهذا الشرط يلاحـظ فـي حـال
الرجل كما يلاحظ المرأة .
ثانيهما : أن لا يحملها أعباء تلك الوظيفة على الاستهتار بشيء من الضوابط والآداب الدينية التي ينبغي أن
تتقيد بها ، والواقع أن شيئاً من الوظائف المذكورة ، ليس فيها ما يحمل المرأة على التخلي عن شـيء مـن
الضوابط الدينية التي يجب أن تتحلى بها ، وإنما كان المجتمع بنظمه وعاداته هو الـذي يحمـل المـرأة ولا
يحملها على التخلي عن تلك الضوابط أثناء قيامها بمهام تلك الوظائف .
 ولا تنس أننا إنما نتحدث عن حقوق المرأة في الإسلام في مناخ إسلامي صالح ، و ذلك لأن الإسلام
إنما يتحمل مسؤولية رعاية الحقوق لأصحابها ، في مجتمع يكون هو المهيمن فيه ، أما المجتمع الشارد عن
تعاليمه و إرشاداته ، فليس من المنطق تحميل الإسلام مسؤولية فشل المجتمع في رعاية لقطات جزئية من
مبادئه وأحكامه 
تعليقات