اقدم لكم اليوم بحث عن الفكر الإسلامى فى مواجهة الهيمنة الغربية
هل ما طرأ على العالم الإسلامي في العصر الحديث بداية من القرن السادس عشر الميلادي وحتى الآن وما رافق فكره الإسلامي من تغيرات فكرية شاملة يمكن وصفه بالانحطاط والركود؟ وما هو المعامل الذي يمكن إعداده طرفا في المقارنة وتقوم عليه الدراسة المنهجية من ناحية الأصول وأدوات المنهج؟ وهل الفكر الغربي الحديث يمكن القول بأنه صورة إنتاجية لما تبناه من أساليب المنهج الإسلامي الخالص واستدلالاته وأساليب البحث والنظر؟ ولماذا لا يمكن وصف الحضارة الغربية الحديثة بما وصلت إليه من حداثة، وفى طريق لما بعد الحداثة وما حملته من رؤى اشتراكية وشيوعية وإلحادية علمانية مادية يُعاني داخل مصافها المفكر الغربي من تناقضات داخلية حادّة، حيث وصف د.عبد الوهاب المسيري ما بعد الحداثة بأنها فلسفة تنهي الفلسفة، يمكن إعداده انحطاطا دينيا في أقل التقادير مقارنة بالحضارة الإسلامية؟
كنّا وكانوا!
يدور الحديث حول هذا الموضوع بداية من تساؤل وضعه شكيب أرسلان عنوانا لكتابه «لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم»* وحتى نتفهم الأطر العامة المتعلقة بالموضوع ونظرة المفكر المسلم تجاه النهضة الغربية وروافدها الفكرية باعتبارها نتاجا حضاريا أفرزته الحضارة الغربية بعيدا عن طرق تصديره إلى مجتمعاتنا بالطرق العدوانية والأساليب الملتوية والتوفيق بين متطلبات المجتمع ومواجهة الدخيل الغربي وفق رؤية شاملة في البناء والإصلاح.
إن النهضة الغربية في العصر الحديث وما حققته من أنماط التصدّر والريادة في جوانب متعددة من العلوم والفنون وأُسس التفكير وانعكاسات ذلك كله على تشكيلات الحضارة الغربية بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن ذلك لا يتفهم منه بالطبع ركود وضعف للحضارة الإسلامية ونتاجها الفكري؛ فقد شكلت الحضارة الإسلامية في فتراتها الأولى ازدهارا فاق إشعاعه الضوء المنبثق من حضارة الغرب إن لم يكن للإسلام فضل في إعداده «فلقد كثر الإنتاج الإسلامي واتسع بالجوانب المتعلقة بالثقافة والمعارف والعلوم مستندة في ذلك على أسس وقواعد نشأت في ذلك الجو العلمي الذي أوجده الإسلام وعاشه مجتمعه المسلم، وتمثل الثقافة الإسلامية التي نمت عند المسلمين جانبا واسعا شمل كل الميادين»[1].
شكل ازدهار الفكر الإسلامي هزيمة للعقل الغربي في عصوره المظلمة وأسس بنية للتنوير بفلسفة حضارية أوضح الإسلام معالمها ونقلت الإنسانية من تخلفها إلى ركب الحضارة.
فقد شكل ازدهار الفكر الإسلامي في فترة من فتراته هزيمة للعقل الغربي في عصوره المظلمة وأسس بنية للتنوير بفلسفة حضارية أوضح الإسلام معالمها ونقلت الإنسانية من تخلفها إلى ركب الحضارة باتجاه المدنية، وهذا ما كان باديًا من خلال التقدم والمدنية التي وصلت إليها في عصورها الأولى، ومنتجها العمراني والمعرفي والفنوني، ونقلته الشعوب المختلفة من الفرس والروم والهند، ولا يغيب عنا دور علماء المسلمين الأوائل أمثال جابر بن حيان والخوارزمي وأبو بكر الرازي وآلاف غيرهم، وما نقلته الحضارة الغربية عنهم.
تلك المرحلة الأولى التي وصفها فهمي جدعان بأنها تلك المرحلة التي احتلت القرون الأربعة الهجرية الأولى فيها ظهر الإسلام، وتوسع جغرافيا، وركب حضارة احتلت فيها الآداب والفنون والعلوم الدينية والفقهية والكلامية والفلسفية والطبيعية مكانة مرموقة وصميمية»[2]. فعلى سبيل المثال لا الحصر «كثر اشتغال المسيحيين بالطب في ظل الدولة الإسلامية، ونبغ الأطباء بين نصارى المشرق في الوقت الذي كانت فيه الكنيسة الغربية تحرم صناعة الطب؛ لأن المرض عقاب من الله لا ينبغي للإنسان أن يصرفه عمن استحقه، وظل الطب محجورا عليه بهذه الحجة إلى ما بعد انقضاء العهد المسمى بعهد الإيمان، عند استهلال القرن الثاني عشر للميلاد، وهو إبان الحضارة الأندلسية»[3]
وهذا ما يمكن تعليله بالنظرة الموضوعية تجاه الفكر الإسلامي والفكر الغربي من ناحية التأخر والريادة اللصيقتين بالحضارة الإنسانية، بالجوانب المتعلقة بالتأثير والتأثر والفاعلية بين الحضارات المختلفة، فقد اكتمل للإسلام بناؤه، ورسم توجهه الديني نشاطه الفكري والسلوكي، وأضاءت نظرته الفكرية العالم، واتضح منهجه في إعداد الفرد طبقا لأهداف النصوص الدينية وتعاليم قائده الأول محمد صلى الله عليه وسلم فس سبيل إعداد المجتمع بما تمليه الشرائع السماوية وثقافة بناء الأمة وتحمل مسئولية القيادة والإصلاح ولما توضحه الآية القرآنية: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم» [الرعد: 11] وفق المنظور الإسلامي لمراد الله في إعمار الكون، وتحقيقا لطور الفاعلية الواجبة وحتمية التأثير والتأثر بين الحضارات المختلفة.
ولعل ذلك ظاهر في الفتوحات الإسلامية في آسيا وأفريقيا وبوجه الخصوص في الأندلس وبلدان القارة الأوربية، وفي النظرة الترحيبية للفاتحين المسلمين لما لمسوه فيهم من توظيف الجانب الديني في النصوص الدينية إلى واقعي سلوكي ومعاملات خاصة في السياسة الإسلامية والحكومة القائمة على الأصلين: العمل بما يمليه النص الديني وتطويع الفعل السياسي تبعا لأوامره، والمشاركة والمشورة المجتمعية في إدارة المجتمعات، وهذا ما كان غائبا بالأساس عن الغربيين في بلدانهم سواء في العصور القيصرية أو البابوية المتسلطة وحتى قيام الثورة الفرنسية 1789م، «على أن تلك الفتوحات التي فتحوها في نصف قرن أو ثلثي قرن برغم الحروب التي تسببت بها مشاقة معاوية لعلي، والحروب التي وقعت بين بني أمية وابن الزبير قد أدهشت عقول العقلاء والمؤرخين والمفكرين، وحيرت الفاتحين الكبار، وأذهلت نابليون أعظمهم»[4].
لقد كانت الفتوحات الإسلامية بشير خير على المجتمعات التي حل بها لتخليصها من نيران الطغيان والاضطهاد؛ «فقد كان البربر على استعداد للتخلص من هذا النير المرهق ومعاونة الفاتحين الجدد»[5] ولقد «أنشا العرب حكومة قرطبة التي كانت أعجوبة العصور الوسطى بينما كانت أوروبا تتخبط في ظلمات الجهل؛ فلم يكن سوى المسلمين من أقام بها منابر العلم والمدنية»[6].
قويت الصلات بين الشرق والغرب في عصر سيادة المسلمين على تلك المناطق، في طوال هذه الفترة من تاريخ الحضارة الإسلامية لم تكن تحمل مطلقا عدائية تجاه شعوب الغرب.
ولقد لعبت الصناعة دورها في ازدهار الحياة الاقتصادية بالمغرب الأقصى منذ أن تأسست على أرضه دولة المرابطين وحتى نهاية حكم الناصر، وازدهر كثير من الصناعات المختلفة في ظل حكام المغرب الأقصى؛ نتيجة استقرار الأوضاع في البلاد، وتوفير المواد الخام التي تقوم عليها الصناعة مع وجود الخبرة الصناعية المتمثلة في الأيدي العاملة، والتي دفعت حركة التصنيع في البلاد إلى الأمام»[7].
لقد ازدهرت كل من إسبانيا وصقلية وشمال أفريقيا، وقويت الصلات بين الشرق والغرب في عصر سيادة المسلمين على تلك المناطق، في طوال هذه الفترة من تاريخ الحضارة الإسلامية لم تكن تحمل مطلقا عدائية تجاه شعوب الغرب أو احتقارا تجاه التخلف والظلام الذي عاشوا فيه قرونا مما أرغمهم على نقل تراث الإسلام وتوظيفه في رسم ملامح مناهج التفكير الجديد، «إن للعرب فضلا كبيرا على الطب والتشريح والجراحة وقد أخذها الإيطاليون عنهم وأنشئوا مدرسة سالرنو التي كانت صلة الوصل بين علوم العرب والعلوم العصرية»[8].
لكن وبالعودة إلى تساؤل لماذا تأخر الإسلام وتقدم الغرب؟ وإن كان مثل ذلك الطرح فيه تجنٍ على صورة الحضارة الإسلامية ونشاطها، لكن لابد من تحليل منهجي لمواجهة النظرة السلبية في رد معاني تأخر الحضارة إلى مفاهيم مرتبطة بالتوقف والسقوط والانتهاء، لكن في الحقيقة يجب معرفة شيء مهم، وهو أن ذلك من سنن الله في الكون من أجل إعادة التحضير والبناء ومواجهة الضعف والتقصير، وهذا ما عبر عنه ابن خلدون في نظرية تعاقب الحضارات وتغير الأحوال بقوله «إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة، ومنهاج مستقر، وإنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال. وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة. سُنة الله قد خلت في عباده»[9].
وذلك أن الدول كما الأشخاص لها أعمار طبيعية، وقد وصفَ مالك بن نبي تعاقب الحضارات بالدورة الخالدة «إن للتاريخ دورة وتسلسلا، فهو تارة يسجل للأمة مآثر عظيمة ومفاخر كريمة، وهو تارة أخرى يلقى عليها دثاره، ليسلمها إلى نومها العميق، فإذا ما أخذنا هذه الملاحظة بعين الاعتبار، تحتّم علينا في حل مشكلاتنا الاجتماعية أن ننظر مكاننا في دورة التاريخ»[10].
هل ما طرأ على العالم الإسلامي في العصر الحديث بداية من القرن السادس عشر الميلادي وحتى الآن وما رافق فكره الإسلامي من تغيرات فكرية شاملة يمكن وصفه بالانحطاط والركود؟ وما هو المعامل الذي يمكن إعداده طرفا في المقارنة وتقوم عليه الدراسة المنهجية من ناحية الأصول وأدوات المنهج؟ وهل الفكر الغربي الحديث يمكن القول بأنه صورة إنتاجية لما تبناه من أساليب المنهج الإسلامي الخالص واستدلالاته وأساليب البحث والنظر؟ ولماذا لا يمكن وصف الحضارة الغربية الحديثة بما وصلت إليه من حداثة، وفى طريق لما بعد الحداثة وما حملته من رؤى اشتراكية وشيوعية وإلحادية علمانية مادية يُعاني داخل مصافها المفكر الغربي من تناقضات داخلية حادّة، حيث وصف د.عبد الوهاب المسيري ما بعد الحداثة بأنها فلسفة تنهي الفلسفة، يمكن إعداده انحطاطا دينيا في أقل التقادير مقارنة بالحضارة الإسلامية؟
كنّا وكانوا!
يدور الحديث حول هذا الموضوع بداية من تساؤل وضعه شكيب أرسلان عنوانا لكتابه «لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم»* وحتى نتفهم الأطر العامة المتعلقة بالموضوع ونظرة المفكر المسلم تجاه النهضة الغربية وروافدها الفكرية باعتبارها نتاجا حضاريا أفرزته الحضارة الغربية بعيدا عن طرق تصديره إلى مجتمعاتنا بالطرق العدوانية والأساليب الملتوية والتوفيق بين متطلبات المجتمع ومواجهة الدخيل الغربي وفق رؤية شاملة في البناء والإصلاح.
إن النهضة الغربية في العصر الحديث وما حققته من أنماط التصدّر والريادة في جوانب متعددة من العلوم والفنون وأُسس التفكير وانعكاسات ذلك كله على تشكيلات الحضارة الغربية بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن ذلك لا يتفهم منه بالطبع ركود وضعف للحضارة الإسلامية ونتاجها الفكري؛ فقد شكلت الحضارة الإسلامية في فتراتها الأولى ازدهارا فاق إشعاعه الضوء المنبثق من حضارة الغرب إن لم يكن للإسلام فضل في إعداده «فلقد كثر الإنتاج الإسلامي واتسع بالجوانب المتعلقة بالثقافة والمعارف والعلوم مستندة في ذلك على أسس وقواعد نشأت في ذلك الجو العلمي الذي أوجده الإسلام وعاشه مجتمعه المسلم، وتمثل الثقافة الإسلامية التي نمت عند المسلمين جانبا واسعا شمل كل الميادين»[1].
شكل ازدهار الفكر الإسلامي هزيمة للعقل الغربي في عصوره المظلمة وأسس بنية للتنوير بفلسفة حضارية أوضح الإسلام معالمها ونقلت الإنسانية من تخلفها إلى ركب الحضارة.
فقد شكل ازدهار الفكر الإسلامي في فترة من فتراته هزيمة للعقل الغربي في عصوره المظلمة وأسس بنية للتنوير بفلسفة حضارية أوضح الإسلام معالمها ونقلت الإنسانية من تخلفها إلى ركب الحضارة باتجاه المدنية، وهذا ما كان باديًا من خلال التقدم والمدنية التي وصلت إليها في عصورها الأولى، ومنتجها العمراني والمعرفي والفنوني، ونقلته الشعوب المختلفة من الفرس والروم والهند، ولا يغيب عنا دور علماء المسلمين الأوائل أمثال جابر بن حيان والخوارزمي وأبو بكر الرازي وآلاف غيرهم، وما نقلته الحضارة الغربية عنهم.
تلك المرحلة الأولى التي وصفها فهمي جدعان بأنها تلك المرحلة التي احتلت القرون الأربعة الهجرية الأولى فيها ظهر الإسلام، وتوسع جغرافيا، وركب حضارة احتلت فيها الآداب والفنون والعلوم الدينية والفقهية والكلامية والفلسفية والطبيعية مكانة مرموقة وصميمية»[2]. فعلى سبيل المثال لا الحصر «كثر اشتغال المسيحيين بالطب في ظل الدولة الإسلامية، ونبغ الأطباء بين نصارى المشرق في الوقت الذي كانت فيه الكنيسة الغربية تحرم صناعة الطب؛ لأن المرض عقاب من الله لا ينبغي للإنسان أن يصرفه عمن استحقه، وظل الطب محجورا عليه بهذه الحجة إلى ما بعد انقضاء العهد المسمى بعهد الإيمان، عند استهلال القرن الثاني عشر للميلاد، وهو إبان الحضارة الأندلسية»[3]
وهذا ما يمكن تعليله بالنظرة الموضوعية تجاه الفكر الإسلامي والفكر الغربي من ناحية التأخر والريادة اللصيقتين بالحضارة الإنسانية، بالجوانب المتعلقة بالتأثير والتأثر والفاعلية بين الحضارات المختلفة، فقد اكتمل للإسلام بناؤه، ورسم توجهه الديني نشاطه الفكري والسلوكي، وأضاءت نظرته الفكرية العالم، واتضح منهجه في إعداد الفرد طبقا لأهداف النصوص الدينية وتعاليم قائده الأول محمد صلى الله عليه وسلم فس سبيل إعداد المجتمع بما تمليه الشرائع السماوية وثقافة بناء الأمة وتحمل مسئولية القيادة والإصلاح ولما توضحه الآية القرآنية: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم» [الرعد: 11] وفق المنظور الإسلامي لمراد الله في إعمار الكون، وتحقيقا لطور الفاعلية الواجبة وحتمية التأثير والتأثر بين الحضارات المختلفة.
ولعل ذلك ظاهر في الفتوحات الإسلامية في آسيا وأفريقيا وبوجه الخصوص في الأندلس وبلدان القارة الأوربية، وفي النظرة الترحيبية للفاتحين المسلمين لما لمسوه فيهم من توظيف الجانب الديني في النصوص الدينية إلى واقعي سلوكي ومعاملات خاصة في السياسة الإسلامية والحكومة القائمة على الأصلين: العمل بما يمليه النص الديني وتطويع الفعل السياسي تبعا لأوامره، والمشاركة والمشورة المجتمعية في إدارة المجتمعات، وهذا ما كان غائبا بالأساس عن الغربيين في بلدانهم سواء في العصور القيصرية أو البابوية المتسلطة وحتى قيام الثورة الفرنسية 1789م، «على أن تلك الفتوحات التي فتحوها في نصف قرن أو ثلثي قرن برغم الحروب التي تسببت بها مشاقة معاوية لعلي، والحروب التي وقعت بين بني أمية وابن الزبير قد أدهشت عقول العقلاء والمؤرخين والمفكرين، وحيرت الفاتحين الكبار، وأذهلت نابليون أعظمهم»[4].
لقد كانت الفتوحات الإسلامية بشير خير على المجتمعات التي حل بها لتخليصها من نيران الطغيان والاضطهاد؛ «فقد كان البربر على استعداد للتخلص من هذا النير المرهق ومعاونة الفاتحين الجدد»[5] ولقد «أنشا العرب حكومة قرطبة التي كانت أعجوبة العصور الوسطى بينما كانت أوروبا تتخبط في ظلمات الجهل؛ فلم يكن سوى المسلمين من أقام بها منابر العلم والمدنية»[6].
قويت الصلات بين الشرق والغرب في عصر سيادة المسلمين على تلك المناطق، في طوال هذه الفترة من تاريخ الحضارة الإسلامية لم تكن تحمل مطلقا عدائية تجاه شعوب الغرب.
ولقد لعبت الصناعة دورها في ازدهار الحياة الاقتصادية بالمغرب الأقصى منذ أن تأسست على أرضه دولة المرابطين وحتى نهاية حكم الناصر، وازدهر كثير من الصناعات المختلفة في ظل حكام المغرب الأقصى؛ نتيجة استقرار الأوضاع في البلاد، وتوفير المواد الخام التي تقوم عليها الصناعة مع وجود الخبرة الصناعية المتمثلة في الأيدي العاملة، والتي دفعت حركة التصنيع في البلاد إلى الأمام»[7].
لقد ازدهرت كل من إسبانيا وصقلية وشمال أفريقيا، وقويت الصلات بين الشرق والغرب في عصر سيادة المسلمين على تلك المناطق، في طوال هذه الفترة من تاريخ الحضارة الإسلامية لم تكن تحمل مطلقا عدائية تجاه شعوب الغرب أو احتقارا تجاه التخلف والظلام الذي عاشوا فيه قرونا مما أرغمهم على نقل تراث الإسلام وتوظيفه في رسم ملامح مناهج التفكير الجديد، «إن للعرب فضلا كبيرا على الطب والتشريح والجراحة وقد أخذها الإيطاليون عنهم وأنشئوا مدرسة سالرنو التي كانت صلة الوصل بين علوم العرب والعلوم العصرية»[8].
لكن وبالعودة إلى تساؤل لماذا تأخر الإسلام وتقدم الغرب؟ وإن كان مثل ذلك الطرح فيه تجنٍ على صورة الحضارة الإسلامية ونشاطها، لكن لابد من تحليل منهجي لمواجهة النظرة السلبية في رد معاني تأخر الحضارة إلى مفاهيم مرتبطة بالتوقف والسقوط والانتهاء، لكن في الحقيقة يجب معرفة شيء مهم، وهو أن ذلك من سنن الله في الكون من أجل إعادة التحضير والبناء ومواجهة الضعف والتقصير، وهذا ما عبر عنه ابن خلدون في نظرية تعاقب الحضارات وتغير الأحوال بقوله «إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة، ومنهاج مستقر، وإنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال. وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة. سُنة الله قد خلت في عباده»[9].
وذلك أن الدول كما الأشخاص لها أعمار طبيعية، وقد وصفَ مالك بن نبي تعاقب الحضارات بالدورة الخالدة «إن للتاريخ دورة وتسلسلا، فهو تارة يسجل للأمة مآثر عظيمة ومفاخر كريمة، وهو تارة أخرى يلقى عليها دثاره، ليسلمها إلى نومها العميق، فإذا ما أخذنا هذه الملاحظة بعين الاعتبار، تحتّم علينا في حل مشكلاتنا الاجتماعية أن ننظر مكاننا في دورة التاريخ»[10].
اضف تعليق لنستمر في جهدنا