حديثنا اليوم عن التيارات الفكرية الاسلامية في الوطن العربي نموذجا الدعوة السنوسية ونتحدث عن الفكر الاسلامي في مواجهة الافكار الغربية وتاثيرها على مجتمعنا الاسلامي
الفكر السلمى فى مواجهة الهيمنة الغربية
مصطفى شحات نافع أحمد
باحث دكتوراة بكلية دار العلوم جامعة المنيا
"علمتنا التجارب ونطقت مواضى الحداث بإن المقلدين فى كل أمة المنتحلين أطوار غيرها يكونون فيها منافذ
لتطرق العداء إليها ،وتكون مداركهم مهابط الوساوس ومخازن الدسائس ..." السيد جمال الدين الفغانى
هل ما طرأ على العالم السلمى فى العصر الحديث وما رافق الفكر السلمى من تغيرات فكرية شاملة
يمكن وصفه وإعدادة مرحلة من النحطاط والركود ؟
وما هو المعامل الذى يمكن إعداده إذا طرفا فى المقارنة بينه وبين الواقع السلمى وتقوم عليه الدراسة
المنهجية من ناحية الصول وأدوات المنهج ؟ وهل هذا الفكر الغربى الحديث يمكن القول بإنه صورة إنتاجية لما
تبناه من أساليب المنهج السلمى الخالص وإستدللته وأساليب البحث والنظر؟
ولماذا ل يمكن وصف الحضارة الغربية الحديثة بما وصلت إليه من حداثة وفى طريق لما بعد الحداثة وما
حملته من رؤى اشتراكية وشيوعية والحاديه علمانية مادية يعانى داخل مصافها المفكر الغربى من تناقضات
داخلية حادة حيث وصف د.عبد الوهاب المسيرى مابعد الحداثة بإنها ..فلسفة تنهى الفلسفة .. يمكن إعداده
إنحطاط فكرى وأخلقى فى أقل التقادير مقارنة بالحضارة السلمية؟
الطار النظرى.
يدور الحديث حول هذا الموضوع بداية من تساؤل وضعه شكيب أرسلن عنوانا لكتابه لماذا تأخر المسلمون
ولماذا تقدم غيرهم *وحتى نتفهم الطر العامة المتعلقة بالموضوع ونظرة المفكر المسلم تجاه النهضة الغربيه
وروافده الفكرية بإعتبارها نتاج حضارى افرزته الحضارة الغربية بعيدا عن طرق تصديره إلى مجتمعاتنا
بالطرق العدوانية والساليب الملتويه والتوفيق بين متطلبات المجتمع ومواجهة الدخيل الغربى وفق رؤية شاملة
فى البناء والصلح.
إن النهضة الغربية فى العصر الحديث وما حققته من انماط التصدر والريادة فى جوانب متعدده من العلوم
والفنون وأسس التفكير وإنعكاسات ذلك كله على تشكيلت الحضارة الغربية بجوانبها السياسية والقتصادية
والجتماعية ...الخ فإن ذلك ل يتفهم منه بالطبع ركود وضعف للحضارة السلمية ونتاجها الفكرى ، فقد شكلت
الحضارة السلمية فى فتراتها الولى أزدهارا فاق إشعاعه الضوء المنبثق من حضارة الغرب إن لم يكن
للسلم فضل فى إعداده "فلقد كثر النتاج السلمى وأتسع بالجوانب المتعلقة بالثقافة والمعارف والعلوم مستنده
فى ذلك على أسس وقواعد نشات فى ذلك الجو العلمى الذى أوجده السلم وعاشه مجتمعه المسلم ،وتمثل الثقافة
السلمية التى نمت عند المسلمين جانبا واسعا شمل كل الميادين "(1(
فقد شكل إزدهار الفكر السلمى فى فترة من فتراته هزيمة للعقل الغربى فى عصوره المظلمة وأسس بنية
للتنوير بفلسفة حضارية أوضح السلم معالمها ونقلت النسانية من تخلفها إلى ركب الحضارة بإتجاه المدنية
وهذا ما كان ظاهرا على الحضارة السلمية ومدى التقدم والمدنية التى وصلت إليها فى عصورها الولى
ومنتجها العمرانى والمعرفى والفنونى ونقلته الشعوب المختلفة من الفرس والروم والهند ، ول يغيب عنا دور
علماء المسلمين الوائل أمثال جابر بن حيان والخوارزمى وابو بكر الرازى ..الخ وما نقلته الحضارة الغربية
عنهم .
وهى المرحلة الولى التى وصفها د.فهمى جدعان بإنها تلك المرحلة التى أحتلت القرون الربعة الهجرية الولى
فيها ظهر السلم وتوسع جغرافيا وركب حضارة أحتلت فيها الداب والفنون والعلوم الدينية والفقهية والكلمية
والفلسفية والطبيعية مكانة مرموقة وصميمية "(2(
فعلى سبيل المثال ل الحصر "كثر اشتغال المسيحيين بالطب فى ظل الدولة السلمية ونبغ الطباء بين نصارى
المشرق فى الوقت الذى كانت فيه الكنيسة الغربية تحرم صناعة الطب لن المرض عقاب من ا ل ينبغى
للنسان أن يصرفه عمن أستحقه،وظل الطب محجورا عليه بهذه الحجه إلى ما بعد إنقضاء العهد المسمى بعهد
اليمان ،عند إستهلل القرن الثانى عشر للميلد،وهو إبان الحضارة الندلسية"(3(
وهذا ما يمكن تعليله بالنظرة الموضوعية تجاه الفكر السلمى والفكر الغربى من ناحية التأخر والريادة
اللصيقتين بالحضارة النسانية بالجوانب المتعلقة بالتأثير والتأثر والفاعلية بين الحضارات المختلفة ،فقد أكتمل
للسلم بناءه ورسم توجهه الدينى نشاطه الفكرى والسلوكى وأضاءت نظرته الفكرية العالم وأتضح منهجه فى
إعداد الفرد طبقا لهداف النصوص الدينية وتعاليم قائده الول محمد صلى ا عليه وسلم فى سبيل إعداد
المجتمع بما تمليه الشرائع السماويه وثقافة بناء المة وتحمل مسؤلية القيادة والصلح ولما توضحه الية
القرأنية "إن ا ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " الرعد 11وفق المنظور السلمى لمراد ا فى
إعمار الكون وتحقيقا لطور الفاعلية الواجبة وحتمية التأثير والتأثر بين الحضارات المختلفة .
ولعل ذلك ظاهرا فى الفتوحات السلمية فى أسيا وأفريقيا وبوجه الخصوص فى الندلس وبلدان القارة الوربية
وفى النظرة الترحيبية للفاتحين المسلمين لما لمسوه فيهم من توظيف الجانب الدينى فى النصوص الدينية إلى
واقعى سلوكى ومعاملت خاصة فى السياسة السلمية والحكومة القائمة على ألصلين العمل بما يمليه النص
الدينى وتطويع الفعل السياسى تبعا لوامره ، والمشاركة والمشورة المجتمعية فى إدارة المجتمعات وهذا ما كان
غائبا بالساس عن الغربيون فى بلدانهم سواء فى العصور القيصرية او البابوية المتسلطة وحتى قيام الثورة
الفرنسية 1789م
"على ان تلك الفتوحات التى فتحوها فى نصف قرن أو ثلتى قرن برغم الحروب التى تسببت بها مشاقة معاوية
لعلى والحروب التى وقعت بين بنى أمية وابن الزبير قد أدهشت عقول العقلء والمؤرخين والمفكرين ،وحيرت
الفاتحين الكبار،وأذهلت نابليون أعظمهم"(4(
لقد كانت الفتوحات السلمية بشير خير على المجتمعات التى حل بها لتخليصها من نيران الطغيان والضطهاد
"فقد كان البربر على إستعداد على التخلص من هذا النير المرهق ومعاونة الفاتحين الجدد "(5(
"ولقد أنشا العرب حكومة قرطبة التى كانت أعجوبة العصور الوسطى بينما كانت أوربا تتخبط فى ظلمات
الجهل فلم يكن سوى المسلمين من أقام بها منابر العلم والمدنية "(6(
"ولقد لعبت الصناعة دورها فى أزدهار الحياة القتصادية بالمغرب القصى منذ أن تأسست على أرضه دولة
المرابطين وحتى نهاية حكم الناصر الموحد وأزدهرت كثير من الصناعات المختلفة فى ظل حكام المغرب
القصى نتيجة أستقرار الوضاع فى البلد وتوفير المواد الخام التى تقوم عليها النصناعة مع وجود الخبرة
الصناعية المتمثلة فى اليدى العاملة والتى دفعت حركة التصنيع فى البلد إلى المام "(7(
لقد ازدهرت كل من أسبانيا وصقلية وشمال أفرقيا وقويت الصلت بين الشرق والغرب فى عصر سيادة
المسلمين على تلك المناطق .
فى طول هذة الفترة من تاريخ الحضارة السلمية لم تكن تحمل مطلقا عدائية تجاه شعوب الغرب أو إحتقارا
تجاه التخلف والظلم الى عاشوا فيه قرونا مما أرغمهم على نقل تراث السلم وتوظيفه فى رسم ملمح مناهج
التفكير الجديد "إن للعرب فضل كبيرا على الطب والتشريح والجراحة وقد أخذها اليطاليون عنهم وأنشئوا
مدرسة "سالرنو"التى كانت صلة الوصل بين علوم العرب والعلوم العصرية "(8(
لكن وبالعودة إلى تساؤل لماذا تأخر السلم وتقدم الغرب وإن كان مثل ذلك الطرح فيه تجنى على صورة
الحضارة السلمية ونشاطها ،لكن لبد من تحليل مهجى لمواجهة النظرة السلبية فى رد معانى تأخر الحضارة
إلى مفاهيم مرتبطة بالتوقف والسقوط والنتهاء ،لكن فى الحقيقة يجب معرفة شئ هام وهو أن ذلك من سنن ا
فى الكون من أجل إعادة التحضير والبناء ومواجهة الضعف والتقصير وهذا ما عبر عنه ابن خلدون فى نظرية
تعاقب الحضارات وتغير الحوال يقول :"أن أحوال العالم والمم وعوائدهم ونحلهم ل تدوم على وتيرة
واحدة ،ومنهاج مستقر ،وإنما هو إختلف على اليام والزمنة وانتقال من حال إلى حال .وكما يكون ذلك فى
الشخاص والوقات والمصار فكذلك يقع فى الفاق والقطار والزمنة .سنة ا قد خلت فى عباده"(9(
وذلك أن الدول كما الشخاص لها أعمار طبيعية ، ووصف مالك بن نبى تعاقب الحضارات بالدورة الخالدة "إن
للتاريخ دورة وتسلسل ،فهو تارة يسجل للمة مآثر عظيمة ومفاخر كريمة ،وهو تارة أخرى ياقى عليها
دثارها ،ليسلمها إلى نومها العميق ،فإذا ما أخذنا هذه الملحظة بعين العتبار ،تحتم علينا فى حل مشكلتنا
الجتماعية أن ننظر مكاننا فى دورة التاريخ "(10(
اللتقاء الحضارى بين الغرب والشرق
حين التطبيق وبالعودة إلى النظرة الغربية تجاه المجتمع السلمى يلحظ الجانب العدائى ظاهرا فى إختراق
المجتمع الشرقى وهدم ثقافته .بداية من الحروب الصليبية 1906-1276م بؤرة التشكيل المبريالى الغربى ،
أو حتى فى مدارس التبشير والتنصير وفق رؤية تغريبية لخلخلة مفهوم الهوية للفرد المسلم تجاه مجتمعه وقيمه
الدينية والخلقية ، والجانب الخر فى الستشراق ومدارسه المختلفة والمنهج المتبنى فى هدم صرح السلم
عقائده وشرائعه وتاريخه.
"فثلثة متعاونه متآزرة متظاهره وجميعهم يد واحدة وأهدافهم واحدة ووسائلهم واحدة التبشير والستعمار
والستشراق "(11(
"إن أوربة عند استواء يقظتها أدركت إدراكا واضحا أن الذى بلعته قد ضمن لها التفوق الحاسم وأنها مقبله على
زحف شامل يختلق قلب دار السلم ،ل بوقع السلح ،بل بوسائل أخر أمضى من وقع السلح"(12(
فبعد الثورة الفرنسية والتى شكلت نقطة النتقال والتحرر من الستبداد الكنسى إلى رؤية علمانية مطلقة فى
كيفية الفرد فى مجتمعه وشكلت تلك الرؤية اتجاهات التفكير الدينى والسياسى والجتماعى فى نهضة حضارية
شاملة ذلك أن مفهوم التقدم كما وصفه د.فهمى جدعان بلزومه للجانب القيمى والخلقى قد ولد مفاهيم مختلفة
للتقدم فكان هذا حينا مساويا للحصول على قدر أكبر مطرد الزيادة من اللذة الدنيوية ،وصار حينا مساويا
لنتشار ديانة معينة وتحقيقها لنجازات سريعة كبرى ...غزارة النتاج القتصادى والمادى ..التحرر من قيود
التقليد أو طغيان المادة ...وهكذا أمكن لمفهوم التقدم أن يكون إجتماعيا أو أخلقيا أو دينيا أو إقتصاديا أو طبيعيا
(13)"
فما هى إتجاهات التفكير السلمى المختلفة المتباينة تجاه الروافد الغربية الخارجية وما هى التناقضات التى
حملتها فى التعامل مع النهضة الغربية الحديثة وخلل فى مفاهيم التراث والتجديد والحداثة وما رافقها من
الصلح والعلمنة فى ثلث تيارات مختلفة
التجاه السلفى الصلحى
وكان دعاته ينادون بمحاربة البدع والخروفات وإعمال الفكر والعقل وفتح باب الجتهاد ومحاربة الروافد
الخارجية التى تعنى فى نظرهم بوادر الستعمال والتغلغل فى المجتمعات السلمية
فالشيخ محمد عبد الوهاب 1703-1791م يرى أن قوة المسلمين فى دينهم وهو سبيل مجدهم وعظمتهم ل
سواه ول يتم الصلح بغيره طالما جاءه من الخارج
"فهو لم ينظر إلى المدنية الحديثة وموقف المسلمين منها ولم يتجه فى إصلحهإلى الحياة المادية كمافعل
معاصره محمد على باشا وإنما أتجه إلى العقيدة وحدها فعنده العقيدة والروح هما الساس وهما القلب إن صلحا
صلح كل شئ وإن فسدا فسد كل شئ"(14(
واما جمال الدين الفغانى فكان يعتقد "أن الدول الوربية لم تكن أقوى من الدول السلمية وإن كانت الفكرة
السائدة عن تفوق أنكلترا عن غيرها لم تكن سوى وهم ،وهم خطير من شأنه ككل وهم ان يجعل الناس جبناء
يجرى عليهم ما يخشون وقوعه "(15(
"لقد كان هدفه الول أن يقوض دعائم نظم الحكم الموجودة ،كما يعيد بناء التنظيم السياسى فى العالم السلمى
على "أساس الخوة السلمية" التى تمزقت فى صفين وبددتها النظم الستعمارية نهائيا ومكافحا للمذهب
الطبيعى والمادى "(16(
وسار محمد عبدة على نفس خطى جمال الدين الفغانى وشعر بوجود النحطاط فى المجتمع السلمى كما شعر
به جمال الدين الفغانى ورده إلى تخلى المسلمين عن دينهم وتخليهم عن إعمال العقل وإنغماسهم فى البدع وتقليد
الغرب
ويرى عبد ا النديم فى التعامل مع الغرب إستعمارا خفيفا "إن دولة من دول أوربا لم تدخل بلدا شرقيا بإسم
الستيلء وإنما تدخل بإسم الصلح وحيث المدنية وتنادى أول دخولها بإنها ل تتعرض للدين ول للعوائد ثم
تأخذ فى تغيير الثنين شيئا فشيئا "(17(
لقد كانت مبادى ذلك التيار تدور حول أن إصلح الفكر يجب أن يكون داخليا من منبعه الول وأى دعوى
للتحديث يجب ان ترد لنها خيانة للدين السلمى الذى أسس الحضارة والمدنية ، وأن الروافد الغربية ل تحمل
فى طياتها سور العلمنة والتغريب للمجتمعات الغسلمية فيجب ضحضها وردها
التجاه التقليدى العلمانى
رأى هذا الفريق فى نهل الثقافة الغربية سبل للنهضوض ومحاولة لركب قطار الحضارة من جديد بعد فترة
ركوده ونومه
وقد ضم هذا التيار فى داخل رجالت اللبرالية أمثال قاسم أمين وأحمد لطفى السيد وشبلى شميل وسلمة موسى
وفرح انطون
فيذهب قاسم أمين إلى أن إعجاب المسلمين الشديد بماضيهم سببا فى ضعفهم وعجزهم يقول:"هذا هو الداء الذى
يلزم ان نبادر إلى علجه ،وليس له دواء،إل أن نربى أولدنا على أن يعترفوا شئون المدنية الغربية ويقفوا على
أصولها وفروعها وآثارها .....وتيقننا أنه من المستحيل أن يتم إصلح ما فى احوالنا إذ لم يكن مؤسسا على
العلوم العصرية الحديثة"(18 (
وكان جميل صدقى الزهاوى من دعاة تحرير المرأة ،ونبذ الحجاب فقد بعث إلى جريدة المؤيد المصرية مقال
بعنوان "دفاعا عن المرأة" فى 1-7-1910 أستعرض فيها دور المرأة ...وطالب الزهاوى برفع الحجاب عن
المرأة فى مقالة ثانية بعنوان "مساوئ الحجاب "(19(
وسلمة موسى وفى كتابه اليوم والغد يذكر بإنه يتوجب الخروج من أسيا (الشرق) وأن نلتحق بأوربا (الغرب)
"فكلما زادت معرفتى بالشرق زادت كراهيتى له وشعورى بإنه غريب عنى ،وكلمازادت معرفتى بأوربا زاد
حبى لها وتعلقى بها وزاد شعورى بأنها منى وأنى منها "(20(
"أجل يجب أن نكون أوربيين بل أوربيين صالحين نعمل لسلم العالم ،نشترك فى (عصبة المم) ونعمل لتقدم
العلوم نخترع ونكتشف ونقدم مواهبنا لخدمة النسان ورقيه ،ونعيش عيشة حرة بعيده عن التعصب أو الجمود
هذا هو مذهبى الذى أعمل له طوال حياتى سرا وجهرا فأنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب "(21(
تلك نبذة عن أشكال تعامل المفكرين المسلمين تجاه النهضة الغربية الحديثة وهى ل شك جانب هام وقضيه
كبرى فى الفكر السلمى التى يمكن وصفها بعلقة المسلم بلخر الغربى
يقول الدكتور محمد عمارة عن جملة التيارات الفكرية وموقفها من الحضارة الغربية فى التبنى والرفض
والتوفيق ما شكل أزمة فى الفكر السلمى "إن الموقف الراهن فى أزمة الفكر السلمى المعاصر يشهد قضية
أخرى يدور حولها الجدل ويحتدم فى المخرج منها الخلف تلك هى قضية النا الحضارية بالخر الحضارى
وعلى وجه التحديد بالخر الحضارى المهيمن عالميا وهو الحضارة الغربيه "(22(
سبل المواجهه وطرق النهوض
1-إعادة تشكيل الوعى السلمى
وذلك بضرورة تشكيل الثقافة السلمية الواعية فى مواجهة الهزيمة النفسية الداخلية والتكالية المتقهقرة بإن
المجتمع فى ضعف اوشك على السقوط ، فالجهل والعلم الناقص وفساد الخلق من أسباب تأخر المسلمين كما
عدها شكيب أرسلن "فمن أعظم أسباب تأخر المسلمين العلم الناقص الذى هو أشد خطرا من الجهل البسيط
،لن الجاهل إذا قيض ا له مرشدا عالما أطاعه ولم يتفلسف عليه ،فأما صاحب العلم الناقص فهو ل يدرى ول
يقتنع بأنه ليدرى "(23(
وأصول الحضارة السلمية التى قامت عليه فى عصورها الولى ثابتة مقرره فمتى أمتلك أدواتها وبقيت حية
ضمن النهوض والبناء
"وللحضارة بوجه العموم لها عوامل فى قيامها كما لها أسباب فى السقوط فمتى غابت الصول والقواعد التى
بنيت عليها سقطت وأنتهى أمرها وإنما يتحقق الزدهار فى ظل المن والستقرار فتتحد عوامل إنسانية
وظروف بيئية فى بناء الحضارة وإرتقاءها "(24(
2-المواءة بين التجديد والصلح بين الموروث الدينى والرافد الغربى
فإن أكثر المفكرين التنويريين كما وصفهم د.عبد الوهاب المسيرى يتعاملون مع مصطلح العلمانية تعامل
معجمى وهو فصل الدين عن الدولة ويجهلون أنه فصل كامل للنسان عن إنسانيته ،فيصير شبه الله خاوية من
اللزام الدينى والخلقى، كسبى نفعى بل إرادة
وهؤلء الذين يطرحونه حل للصلح يتناسون أنه المسؤل عن مذابح النازية والسوفيتية الشيوعية المعقدة
وتسخير العالم كله للغرب المادى وإمبرياليته الستعمارية
فإن السلم ل يمنع مطلقا الستفادة من الغرب بما ل يتعارض مع الصول الدينية ويقتضى الزوبان والتماهى
فى الخر الغربى
3-الفاعلية الحضارية وإعادة بناء المجتمع داخليا
فى طريق العودة إلى بناء الحضارة فالفرد /النسان أول فى ثلثية عناصر الحضارة عند مالك بن نبى يتبعه
التراب والزمن
"إن علينا أن نكون حضارة أى أن نبنى ل أن نكرس ،فالبناء وحدة هو الذى يأتى بالحضارة ل التكريس ولنا فى
أمم معاصرة أسوة حسنة ،إن علينا بإن ندرك بإن تكريس منتجات الحضارة الغربية ل يأتى بالحضارة
والستحالة هنا إقتصادية وإجتماعية "(25(
وبذلك تكون أفكار أغنى ما فى المجتمع "فل يقاس غنى المجتمع بكمية ما يملك من (أشياء)بل بمقدار ما فيه من
أفكار"(26(
4-إصلح الصدع الداخلى ومواجهة إنقساماته الحادة
المر الذى شكل ثغرة فى تشتت الفكر السلمى تبعا لتداعيات النظرة المختلفة للحضارة الغربية والمواقف
المتباينة منها ،وضرورة تبنى منهج إسلمى شامل برؤية عامة للنهوض وما تتطلبه الحضارة السلمية فى
المرحلة المستقبلية من إعداد المراكز البحثية والعلمية لمهماتها ، وجمع التراث السلمى وتنقيحه وضبطه ،
ومعالجة المؤسسة التركيبية للمجتمع السلمى فى العدالة والحريات وتبنى ثقافة النقد البناء وإصلح أخطاء
العقود الماضية وتفهم أيضا بإن حضارة السلم لم تتأخر ويختفى إشعاعها إل بغياب العقل المسلم عن ميدانه
الفكرى فإن كان الستعمار يكون حين تكون هناك قابلية له وألف للحالة المتردية فيه ، فإن الحضارة بوجه
العموم لن تسقط إل إذا كان للشعوب رغبة فى السقوط
المصادر والمراجع
*هذا الكتاب فى الصل رسالة للمير شكيب أرسلن وإجابة لطلب من الشييخ محمد بسيونى على المير شكيب
بإعداد كتاب فى بيان أسباب ضعف المسلمين فى هذا العصر وقوة الفرنج واليابان ، وأقترح الشيخ محمد رشيد
رضا نشره فى مجلة المنار
(1 (د.عبد الرحمن على الحجى ،جوانب من الحضارة السلمية مكتبة الصحوة بيروت 1399ه-1979م
ص 42.
(2 (د.فهمى جدعان ، أسس التقدم عند مفكرى السلم دار الشروق للنشر الطبعة الثالثة 1988م ص 15.
(3 (عباس محمود العقاد ، أثر العرب فى الحضارة الوربية دار نهضة مصر للطباعة والنشر ص 35.
(4 (شكيب أرسلن ، لماذا تأخر المسلمون ولماذا تأخر غيرهم مراجعة الشيخ حسن تميم دار مكتبة الحياة
بيروت-لبنان الطبعة الثانية ص 41
(5 (محمد عبد ا عنان ، دولة السلم فى الندلس مكتبة الخانجى القاهرة الطبعة الرابعة 1997م ج الول
ص 18.
(6 (المرجع السابق ص 64.
(7 (د.حسن على حسن ، الحضارة السلمية فى المغرب والندلس عصر المرابطين والموحدين مكتبة
الخانجى القاهرة الطبعة الولى 1980م ص 257.
(8 (أسعد داغر ،حضارة العرب المقتطف مصر الطبعة الثانية 1919م ص 178.
(9 (ابن خلدون ، المقدمة تحقيق د. على عبد الواحد وافى 1957م ج الول ص 265.
(10 (مالك بن نبى ، شروط النهضة ترجمة عبد الصبور شاهين دار الفكر دمشق-سوريا 1968م ص 47.
(11 (محمود محمد شاكر ، رسالة فى الطريق إلى ثقافتنا الهيئة المصرية العامة للكتاب ص 49.
(12 (المرجع السابق ص 56-57.
(13 (د.فهمى جدعان ، أسس التقدم عند مفكرى السلم ص 20.
(14 (أحمد أمين ، زعماء الصلح فى العصر الحديث دار الكتاب العربى بيروت-لبنان ص 16.
(15 (ألبرت حورانى ، الفكر العربى فى عصر النهضة ترجمة كريم عزقول دار النهارى للنشر بيروت-لبنان
1986م ص 143.
(16 (مالك بن نبى ، وجهه العالم السلمى ترجمة عبد الصبور شاهين دار الفكر دمشق-سوريا الطبعة الولى
1986م ص 50.
(17 (عبد ا بن النديم ، مجلة الستاذ العدد الثانى 17يناير 1893م ص 514.
(18 (قاسم أمين ، المرأة الجديدة ص 100.
(19 (على المحافظة ، التجاهات الفكرية عند العرب فى عصر النضة الهلية للنشر والتوزيع بيروت
.196-195 ص م1987
(20 (سلمة موسى ، اليوم والغد سلمة موسى للطبع والنشر الطبعة الولى 1928م ص 5.
(21 (المرجع السابق ص 7
(22 (د.محمد عمارة ، أزمة الفكر السلمى المعاصر دار الشرق الوسط للنشر ص 38.
(23 (شكيب أرسلن ، لماذا تاخر المسلمون ص 75.
(24 (بحث لنا بعنوان "التمدن آثاره الفكرية والعلمية" وهو فى الصل رسالة ماجستير جامعة المنيا كلية دار
العلوم 2015م ص 8.
(25 (مالك بن نبى ،تأملت دار الفكر المعاصر بيروت لبنان الطبعة الولى 1423ه-2002م ص 169.
(26 (مالك بن نبى ، ميلد مجتمع ترجمة عبد الصبور شاهين دار الفكر دمشق-سوريا الطبعة الثالثة
1986م ص 37.
الفكر السلمى فى مواجهة الهيمنة الغربية
مصطفى شحات نافع أحمد
باحث دكتوراة بكلية دار العلوم جامعة المنيا
"علمتنا التجارب ونطقت مواضى الحداث بإن المقلدين فى كل أمة المنتحلين أطوار غيرها يكونون فيها منافذ
لتطرق العداء إليها ،وتكون مداركهم مهابط الوساوس ومخازن الدسائس ..." السيد جمال الدين الفغانى
هل ما طرأ على العالم السلمى فى العصر الحديث وما رافق الفكر السلمى من تغيرات فكرية شاملة
يمكن وصفه وإعدادة مرحلة من النحطاط والركود ؟
وما هو المعامل الذى يمكن إعداده إذا طرفا فى المقارنة بينه وبين الواقع السلمى وتقوم عليه الدراسة
المنهجية من ناحية الصول وأدوات المنهج ؟ وهل هذا الفكر الغربى الحديث يمكن القول بإنه صورة إنتاجية لما
تبناه من أساليب المنهج السلمى الخالص وإستدللته وأساليب البحث والنظر؟
ولماذا ل يمكن وصف الحضارة الغربية الحديثة بما وصلت إليه من حداثة وفى طريق لما بعد الحداثة وما
حملته من رؤى اشتراكية وشيوعية والحاديه علمانية مادية يعانى داخل مصافها المفكر الغربى من تناقضات
داخلية حادة حيث وصف د.عبد الوهاب المسيرى مابعد الحداثة بإنها ..فلسفة تنهى الفلسفة .. يمكن إعداده
إنحطاط فكرى وأخلقى فى أقل التقادير مقارنة بالحضارة السلمية؟
الطار النظرى.
يدور الحديث حول هذا الموضوع بداية من تساؤل وضعه شكيب أرسلن عنوانا لكتابه لماذا تأخر المسلمون
ولماذا تقدم غيرهم *وحتى نتفهم الطر العامة المتعلقة بالموضوع ونظرة المفكر المسلم تجاه النهضة الغربيه
وروافده الفكرية بإعتبارها نتاج حضارى افرزته الحضارة الغربية بعيدا عن طرق تصديره إلى مجتمعاتنا
بالطرق العدوانية والساليب الملتويه والتوفيق بين متطلبات المجتمع ومواجهة الدخيل الغربى وفق رؤية شاملة
فى البناء والصلح.
إن النهضة الغربية فى العصر الحديث وما حققته من انماط التصدر والريادة فى جوانب متعدده من العلوم
والفنون وأسس التفكير وإنعكاسات ذلك كله على تشكيلت الحضارة الغربية بجوانبها السياسية والقتصادية
والجتماعية ...الخ فإن ذلك ل يتفهم منه بالطبع ركود وضعف للحضارة السلمية ونتاجها الفكرى ، فقد شكلت
الحضارة السلمية فى فتراتها الولى أزدهارا فاق إشعاعه الضوء المنبثق من حضارة الغرب إن لم يكن
للسلم فضل فى إعداده "فلقد كثر النتاج السلمى وأتسع بالجوانب المتعلقة بالثقافة والمعارف والعلوم مستنده
فى ذلك على أسس وقواعد نشات فى ذلك الجو العلمى الذى أوجده السلم وعاشه مجتمعه المسلم ،وتمثل الثقافة
السلمية التى نمت عند المسلمين جانبا واسعا شمل كل الميادين "(1(
فقد شكل إزدهار الفكر السلمى فى فترة من فتراته هزيمة للعقل الغربى فى عصوره المظلمة وأسس بنية
للتنوير بفلسفة حضارية أوضح السلم معالمها ونقلت النسانية من تخلفها إلى ركب الحضارة بإتجاه المدنية
وهذا ما كان ظاهرا على الحضارة السلمية ومدى التقدم والمدنية التى وصلت إليها فى عصورها الولى
ومنتجها العمرانى والمعرفى والفنونى ونقلته الشعوب المختلفة من الفرس والروم والهند ، ول يغيب عنا دور
علماء المسلمين الوائل أمثال جابر بن حيان والخوارزمى وابو بكر الرازى ..الخ وما نقلته الحضارة الغربية
عنهم .
وهى المرحلة الولى التى وصفها د.فهمى جدعان بإنها تلك المرحلة التى أحتلت القرون الربعة الهجرية الولى
فيها ظهر السلم وتوسع جغرافيا وركب حضارة أحتلت فيها الداب والفنون والعلوم الدينية والفقهية والكلمية
والفلسفية والطبيعية مكانة مرموقة وصميمية "(2(
فعلى سبيل المثال ل الحصر "كثر اشتغال المسيحيين بالطب فى ظل الدولة السلمية ونبغ الطباء بين نصارى
المشرق فى الوقت الذى كانت فيه الكنيسة الغربية تحرم صناعة الطب لن المرض عقاب من ا ل ينبغى
للنسان أن يصرفه عمن أستحقه،وظل الطب محجورا عليه بهذه الحجه إلى ما بعد إنقضاء العهد المسمى بعهد
اليمان ،عند إستهلل القرن الثانى عشر للميلد،وهو إبان الحضارة الندلسية"(3(
وهذا ما يمكن تعليله بالنظرة الموضوعية تجاه الفكر السلمى والفكر الغربى من ناحية التأخر والريادة
اللصيقتين بالحضارة النسانية بالجوانب المتعلقة بالتأثير والتأثر والفاعلية بين الحضارات المختلفة ،فقد أكتمل
للسلم بناءه ورسم توجهه الدينى نشاطه الفكرى والسلوكى وأضاءت نظرته الفكرية العالم وأتضح منهجه فى
إعداد الفرد طبقا لهداف النصوص الدينية وتعاليم قائده الول محمد صلى ا عليه وسلم فى سبيل إعداد
المجتمع بما تمليه الشرائع السماويه وثقافة بناء المة وتحمل مسؤلية القيادة والصلح ولما توضحه الية
القرأنية "إن ا ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " الرعد 11وفق المنظور السلمى لمراد ا فى
إعمار الكون وتحقيقا لطور الفاعلية الواجبة وحتمية التأثير والتأثر بين الحضارات المختلفة .
ولعل ذلك ظاهرا فى الفتوحات السلمية فى أسيا وأفريقيا وبوجه الخصوص فى الندلس وبلدان القارة الوربية
وفى النظرة الترحيبية للفاتحين المسلمين لما لمسوه فيهم من توظيف الجانب الدينى فى النصوص الدينية إلى
واقعى سلوكى ومعاملت خاصة فى السياسة السلمية والحكومة القائمة على ألصلين العمل بما يمليه النص
الدينى وتطويع الفعل السياسى تبعا لوامره ، والمشاركة والمشورة المجتمعية فى إدارة المجتمعات وهذا ما كان
غائبا بالساس عن الغربيون فى بلدانهم سواء فى العصور القيصرية او البابوية المتسلطة وحتى قيام الثورة
الفرنسية 1789م
"على ان تلك الفتوحات التى فتحوها فى نصف قرن أو ثلتى قرن برغم الحروب التى تسببت بها مشاقة معاوية
لعلى والحروب التى وقعت بين بنى أمية وابن الزبير قد أدهشت عقول العقلء والمؤرخين والمفكرين ،وحيرت
الفاتحين الكبار،وأذهلت نابليون أعظمهم"(4(
لقد كانت الفتوحات السلمية بشير خير على المجتمعات التى حل بها لتخليصها من نيران الطغيان والضطهاد
"فقد كان البربر على إستعداد على التخلص من هذا النير المرهق ومعاونة الفاتحين الجدد "(5(
"ولقد أنشا العرب حكومة قرطبة التى كانت أعجوبة العصور الوسطى بينما كانت أوربا تتخبط فى ظلمات
الجهل فلم يكن سوى المسلمين من أقام بها منابر العلم والمدنية "(6(
"ولقد لعبت الصناعة دورها فى أزدهار الحياة القتصادية بالمغرب القصى منذ أن تأسست على أرضه دولة
المرابطين وحتى نهاية حكم الناصر الموحد وأزدهرت كثير من الصناعات المختلفة فى ظل حكام المغرب
القصى نتيجة أستقرار الوضاع فى البلد وتوفير المواد الخام التى تقوم عليها النصناعة مع وجود الخبرة
الصناعية المتمثلة فى اليدى العاملة والتى دفعت حركة التصنيع فى البلد إلى المام "(7(
لقد ازدهرت كل من أسبانيا وصقلية وشمال أفرقيا وقويت الصلت بين الشرق والغرب فى عصر سيادة
المسلمين على تلك المناطق .
فى طول هذة الفترة من تاريخ الحضارة السلمية لم تكن تحمل مطلقا عدائية تجاه شعوب الغرب أو إحتقارا
تجاه التخلف والظلم الى عاشوا فيه قرونا مما أرغمهم على نقل تراث السلم وتوظيفه فى رسم ملمح مناهج
التفكير الجديد "إن للعرب فضل كبيرا على الطب والتشريح والجراحة وقد أخذها اليطاليون عنهم وأنشئوا
مدرسة "سالرنو"التى كانت صلة الوصل بين علوم العرب والعلوم العصرية "(8(
لكن وبالعودة إلى تساؤل لماذا تأخر السلم وتقدم الغرب وإن كان مثل ذلك الطرح فيه تجنى على صورة
الحضارة السلمية ونشاطها ،لكن لبد من تحليل مهجى لمواجهة النظرة السلبية فى رد معانى تأخر الحضارة
إلى مفاهيم مرتبطة بالتوقف والسقوط والنتهاء ،لكن فى الحقيقة يجب معرفة شئ هام وهو أن ذلك من سنن ا
فى الكون من أجل إعادة التحضير والبناء ومواجهة الضعف والتقصير وهذا ما عبر عنه ابن خلدون فى نظرية
تعاقب الحضارات وتغير الحوال يقول :"أن أحوال العالم والمم وعوائدهم ونحلهم ل تدوم على وتيرة
واحدة ،ومنهاج مستقر ،وإنما هو إختلف على اليام والزمنة وانتقال من حال إلى حال .وكما يكون ذلك فى
الشخاص والوقات والمصار فكذلك يقع فى الفاق والقطار والزمنة .سنة ا قد خلت فى عباده"(9(
وذلك أن الدول كما الشخاص لها أعمار طبيعية ، ووصف مالك بن نبى تعاقب الحضارات بالدورة الخالدة "إن
للتاريخ دورة وتسلسل ،فهو تارة يسجل للمة مآثر عظيمة ومفاخر كريمة ،وهو تارة أخرى ياقى عليها
دثارها ،ليسلمها إلى نومها العميق ،فإذا ما أخذنا هذه الملحظة بعين العتبار ،تحتم علينا فى حل مشكلتنا
الجتماعية أن ننظر مكاننا فى دورة التاريخ "(10(
اللتقاء الحضارى بين الغرب والشرق
حين التطبيق وبالعودة إلى النظرة الغربية تجاه المجتمع السلمى يلحظ الجانب العدائى ظاهرا فى إختراق
المجتمع الشرقى وهدم ثقافته .بداية من الحروب الصليبية 1906-1276م بؤرة التشكيل المبريالى الغربى ،
أو حتى فى مدارس التبشير والتنصير وفق رؤية تغريبية لخلخلة مفهوم الهوية للفرد المسلم تجاه مجتمعه وقيمه
الدينية والخلقية ، والجانب الخر فى الستشراق ومدارسه المختلفة والمنهج المتبنى فى هدم صرح السلم
عقائده وشرائعه وتاريخه.
"فثلثة متعاونه متآزرة متظاهره وجميعهم يد واحدة وأهدافهم واحدة ووسائلهم واحدة التبشير والستعمار
والستشراق "(11(
"إن أوربة عند استواء يقظتها أدركت إدراكا واضحا أن الذى بلعته قد ضمن لها التفوق الحاسم وأنها مقبله على
زحف شامل يختلق قلب دار السلم ،ل بوقع السلح ،بل بوسائل أخر أمضى من وقع السلح"(12(
فبعد الثورة الفرنسية والتى شكلت نقطة النتقال والتحرر من الستبداد الكنسى إلى رؤية علمانية مطلقة فى
كيفية الفرد فى مجتمعه وشكلت تلك الرؤية اتجاهات التفكير الدينى والسياسى والجتماعى فى نهضة حضارية
شاملة ذلك أن مفهوم التقدم كما وصفه د.فهمى جدعان بلزومه للجانب القيمى والخلقى قد ولد مفاهيم مختلفة
للتقدم فكان هذا حينا مساويا للحصول على قدر أكبر مطرد الزيادة من اللذة الدنيوية ،وصار حينا مساويا
لنتشار ديانة معينة وتحقيقها لنجازات سريعة كبرى ...غزارة النتاج القتصادى والمادى ..التحرر من قيود
التقليد أو طغيان المادة ...وهكذا أمكن لمفهوم التقدم أن يكون إجتماعيا أو أخلقيا أو دينيا أو إقتصاديا أو طبيعيا
(13)"
فما هى إتجاهات التفكير السلمى المختلفة المتباينة تجاه الروافد الغربية الخارجية وما هى التناقضات التى
حملتها فى التعامل مع النهضة الغربية الحديثة وخلل فى مفاهيم التراث والتجديد والحداثة وما رافقها من
الصلح والعلمنة فى ثلث تيارات مختلفة
التجاه السلفى الصلحى
وكان دعاته ينادون بمحاربة البدع والخروفات وإعمال الفكر والعقل وفتح باب الجتهاد ومحاربة الروافد
الخارجية التى تعنى فى نظرهم بوادر الستعمال والتغلغل فى المجتمعات السلمية
فالشيخ محمد عبد الوهاب 1703-1791م يرى أن قوة المسلمين فى دينهم وهو سبيل مجدهم وعظمتهم ل
سواه ول يتم الصلح بغيره طالما جاءه من الخارج
"فهو لم ينظر إلى المدنية الحديثة وموقف المسلمين منها ولم يتجه فى إصلحهإلى الحياة المادية كمافعل
معاصره محمد على باشا وإنما أتجه إلى العقيدة وحدها فعنده العقيدة والروح هما الساس وهما القلب إن صلحا
صلح كل شئ وإن فسدا فسد كل شئ"(14(
واما جمال الدين الفغانى فكان يعتقد "أن الدول الوربية لم تكن أقوى من الدول السلمية وإن كانت الفكرة
السائدة عن تفوق أنكلترا عن غيرها لم تكن سوى وهم ،وهم خطير من شأنه ككل وهم ان يجعل الناس جبناء
يجرى عليهم ما يخشون وقوعه "(15(
"لقد كان هدفه الول أن يقوض دعائم نظم الحكم الموجودة ،كما يعيد بناء التنظيم السياسى فى العالم السلمى
على "أساس الخوة السلمية" التى تمزقت فى صفين وبددتها النظم الستعمارية نهائيا ومكافحا للمذهب
الطبيعى والمادى "(16(
وسار محمد عبدة على نفس خطى جمال الدين الفغانى وشعر بوجود النحطاط فى المجتمع السلمى كما شعر
به جمال الدين الفغانى ورده إلى تخلى المسلمين عن دينهم وتخليهم عن إعمال العقل وإنغماسهم فى البدع وتقليد
الغرب
ويرى عبد ا النديم فى التعامل مع الغرب إستعمارا خفيفا "إن دولة من دول أوربا لم تدخل بلدا شرقيا بإسم
الستيلء وإنما تدخل بإسم الصلح وحيث المدنية وتنادى أول دخولها بإنها ل تتعرض للدين ول للعوائد ثم
تأخذ فى تغيير الثنين شيئا فشيئا "(17(
لقد كانت مبادى ذلك التيار تدور حول أن إصلح الفكر يجب أن يكون داخليا من منبعه الول وأى دعوى
للتحديث يجب ان ترد لنها خيانة للدين السلمى الذى أسس الحضارة والمدنية ، وأن الروافد الغربية ل تحمل
فى طياتها سور العلمنة والتغريب للمجتمعات الغسلمية فيجب ضحضها وردها
التجاه التقليدى العلمانى
رأى هذا الفريق فى نهل الثقافة الغربية سبل للنهضوض ومحاولة لركب قطار الحضارة من جديد بعد فترة
ركوده ونومه
وقد ضم هذا التيار فى داخل رجالت اللبرالية أمثال قاسم أمين وأحمد لطفى السيد وشبلى شميل وسلمة موسى
وفرح انطون
فيذهب قاسم أمين إلى أن إعجاب المسلمين الشديد بماضيهم سببا فى ضعفهم وعجزهم يقول:"هذا هو الداء الذى
يلزم ان نبادر إلى علجه ،وليس له دواء،إل أن نربى أولدنا على أن يعترفوا شئون المدنية الغربية ويقفوا على
أصولها وفروعها وآثارها .....وتيقننا أنه من المستحيل أن يتم إصلح ما فى احوالنا إذ لم يكن مؤسسا على
العلوم العصرية الحديثة"(18 (
وكان جميل صدقى الزهاوى من دعاة تحرير المرأة ،ونبذ الحجاب فقد بعث إلى جريدة المؤيد المصرية مقال
بعنوان "دفاعا عن المرأة" فى 1-7-1910 أستعرض فيها دور المرأة ...وطالب الزهاوى برفع الحجاب عن
المرأة فى مقالة ثانية بعنوان "مساوئ الحجاب "(19(
وسلمة موسى وفى كتابه اليوم والغد يذكر بإنه يتوجب الخروج من أسيا (الشرق) وأن نلتحق بأوربا (الغرب)
"فكلما زادت معرفتى بالشرق زادت كراهيتى له وشعورى بإنه غريب عنى ،وكلمازادت معرفتى بأوربا زاد
حبى لها وتعلقى بها وزاد شعورى بأنها منى وأنى منها "(20(
"أجل يجب أن نكون أوربيين بل أوربيين صالحين نعمل لسلم العالم ،نشترك فى (عصبة المم) ونعمل لتقدم
العلوم نخترع ونكتشف ونقدم مواهبنا لخدمة النسان ورقيه ،ونعيش عيشة حرة بعيده عن التعصب أو الجمود
هذا هو مذهبى الذى أعمل له طوال حياتى سرا وجهرا فأنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب "(21(
تلك نبذة عن أشكال تعامل المفكرين المسلمين تجاه النهضة الغربية الحديثة وهى ل شك جانب هام وقضيه
كبرى فى الفكر السلمى التى يمكن وصفها بعلقة المسلم بلخر الغربى
يقول الدكتور محمد عمارة عن جملة التيارات الفكرية وموقفها من الحضارة الغربية فى التبنى والرفض
والتوفيق ما شكل أزمة فى الفكر السلمى "إن الموقف الراهن فى أزمة الفكر السلمى المعاصر يشهد قضية
أخرى يدور حولها الجدل ويحتدم فى المخرج منها الخلف تلك هى قضية النا الحضارية بالخر الحضارى
وعلى وجه التحديد بالخر الحضارى المهيمن عالميا وهو الحضارة الغربيه "(22(
سبل المواجهه وطرق النهوض
1-إعادة تشكيل الوعى السلمى
وذلك بضرورة تشكيل الثقافة السلمية الواعية فى مواجهة الهزيمة النفسية الداخلية والتكالية المتقهقرة بإن
المجتمع فى ضعف اوشك على السقوط ، فالجهل والعلم الناقص وفساد الخلق من أسباب تأخر المسلمين كما
عدها شكيب أرسلن "فمن أعظم أسباب تأخر المسلمين العلم الناقص الذى هو أشد خطرا من الجهل البسيط
،لن الجاهل إذا قيض ا له مرشدا عالما أطاعه ولم يتفلسف عليه ،فأما صاحب العلم الناقص فهو ل يدرى ول
يقتنع بأنه ليدرى "(23(
وأصول الحضارة السلمية التى قامت عليه فى عصورها الولى ثابتة مقرره فمتى أمتلك أدواتها وبقيت حية
ضمن النهوض والبناء
"وللحضارة بوجه العموم لها عوامل فى قيامها كما لها أسباب فى السقوط فمتى غابت الصول والقواعد التى
بنيت عليها سقطت وأنتهى أمرها وإنما يتحقق الزدهار فى ظل المن والستقرار فتتحد عوامل إنسانية
وظروف بيئية فى بناء الحضارة وإرتقاءها "(24(
2-المواءة بين التجديد والصلح بين الموروث الدينى والرافد الغربى
فإن أكثر المفكرين التنويريين كما وصفهم د.عبد الوهاب المسيرى يتعاملون مع مصطلح العلمانية تعامل
معجمى وهو فصل الدين عن الدولة ويجهلون أنه فصل كامل للنسان عن إنسانيته ،فيصير شبه الله خاوية من
اللزام الدينى والخلقى، كسبى نفعى بل إرادة
وهؤلء الذين يطرحونه حل للصلح يتناسون أنه المسؤل عن مذابح النازية والسوفيتية الشيوعية المعقدة
وتسخير العالم كله للغرب المادى وإمبرياليته الستعمارية
فإن السلم ل يمنع مطلقا الستفادة من الغرب بما ل يتعارض مع الصول الدينية ويقتضى الزوبان والتماهى
فى الخر الغربى
3-الفاعلية الحضارية وإعادة بناء المجتمع داخليا
فى طريق العودة إلى بناء الحضارة فالفرد /النسان أول فى ثلثية عناصر الحضارة عند مالك بن نبى يتبعه
التراب والزمن
"إن علينا أن نكون حضارة أى أن نبنى ل أن نكرس ،فالبناء وحدة هو الذى يأتى بالحضارة ل التكريس ولنا فى
أمم معاصرة أسوة حسنة ،إن علينا بإن ندرك بإن تكريس منتجات الحضارة الغربية ل يأتى بالحضارة
والستحالة هنا إقتصادية وإجتماعية "(25(
وبذلك تكون أفكار أغنى ما فى المجتمع "فل يقاس غنى المجتمع بكمية ما يملك من (أشياء)بل بمقدار ما فيه من
أفكار"(26(
4-إصلح الصدع الداخلى ومواجهة إنقساماته الحادة
المر الذى شكل ثغرة فى تشتت الفكر السلمى تبعا لتداعيات النظرة المختلفة للحضارة الغربية والمواقف
المتباينة منها ،وضرورة تبنى منهج إسلمى شامل برؤية عامة للنهوض وما تتطلبه الحضارة السلمية فى
المرحلة المستقبلية من إعداد المراكز البحثية والعلمية لمهماتها ، وجمع التراث السلمى وتنقيحه وضبطه ،
ومعالجة المؤسسة التركيبية للمجتمع السلمى فى العدالة والحريات وتبنى ثقافة النقد البناء وإصلح أخطاء
العقود الماضية وتفهم أيضا بإن حضارة السلم لم تتأخر ويختفى إشعاعها إل بغياب العقل المسلم عن ميدانه
الفكرى فإن كان الستعمار يكون حين تكون هناك قابلية له وألف للحالة المتردية فيه ، فإن الحضارة بوجه
العموم لن تسقط إل إذا كان للشعوب رغبة فى السقوط
المصادر والمراجع
*هذا الكتاب فى الصل رسالة للمير شكيب أرسلن وإجابة لطلب من الشييخ محمد بسيونى على المير شكيب
بإعداد كتاب فى بيان أسباب ضعف المسلمين فى هذا العصر وقوة الفرنج واليابان ، وأقترح الشيخ محمد رشيد
رضا نشره فى مجلة المنار
(1 (د.عبد الرحمن على الحجى ،جوانب من الحضارة السلمية مكتبة الصحوة بيروت 1399ه-1979م
ص 42.
(2 (د.فهمى جدعان ، أسس التقدم عند مفكرى السلم دار الشروق للنشر الطبعة الثالثة 1988م ص 15.
(3 (عباس محمود العقاد ، أثر العرب فى الحضارة الوربية دار نهضة مصر للطباعة والنشر ص 35.
(4 (شكيب أرسلن ، لماذا تأخر المسلمون ولماذا تأخر غيرهم مراجعة الشيخ حسن تميم دار مكتبة الحياة
بيروت-لبنان الطبعة الثانية ص 41
(5 (محمد عبد ا عنان ، دولة السلم فى الندلس مكتبة الخانجى القاهرة الطبعة الرابعة 1997م ج الول
ص 18.
(6 (المرجع السابق ص 64.
(7 (د.حسن على حسن ، الحضارة السلمية فى المغرب والندلس عصر المرابطين والموحدين مكتبة
الخانجى القاهرة الطبعة الولى 1980م ص 257.
(8 (أسعد داغر ،حضارة العرب المقتطف مصر الطبعة الثانية 1919م ص 178.
(9 (ابن خلدون ، المقدمة تحقيق د. على عبد الواحد وافى 1957م ج الول ص 265.
(10 (مالك بن نبى ، شروط النهضة ترجمة عبد الصبور شاهين دار الفكر دمشق-سوريا 1968م ص 47.
(11 (محمود محمد شاكر ، رسالة فى الطريق إلى ثقافتنا الهيئة المصرية العامة للكتاب ص 49.
(12 (المرجع السابق ص 56-57.
(13 (د.فهمى جدعان ، أسس التقدم عند مفكرى السلم ص 20.
(14 (أحمد أمين ، زعماء الصلح فى العصر الحديث دار الكتاب العربى بيروت-لبنان ص 16.
(15 (ألبرت حورانى ، الفكر العربى فى عصر النهضة ترجمة كريم عزقول دار النهارى للنشر بيروت-لبنان
1986م ص 143.
(16 (مالك بن نبى ، وجهه العالم السلمى ترجمة عبد الصبور شاهين دار الفكر دمشق-سوريا الطبعة الولى
1986م ص 50.
(17 (عبد ا بن النديم ، مجلة الستاذ العدد الثانى 17يناير 1893م ص 514.
(18 (قاسم أمين ، المرأة الجديدة ص 100.
(19 (على المحافظة ، التجاهات الفكرية عند العرب فى عصر النضة الهلية للنشر والتوزيع بيروت
.196-195 ص م1987
(20 (سلمة موسى ، اليوم والغد سلمة موسى للطبع والنشر الطبعة الولى 1928م ص 5.
(21 (المرجع السابق ص 7
(22 (د.محمد عمارة ، أزمة الفكر السلمى المعاصر دار الشرق الوسط للنشر ص 38.
(23 (شكيب أرسلن ، لماذا تاخر المسلمون ص 75.
(24 (بحث لنا بعنوان "التمدن آثاره الفكرية والعلمية" وهو فى الصل رسالة ماجستير جامعة المنيا كلية دار
العلوم 2015م ص 8.
(25 (مالك بن نبى ،تأملت دار الفكر المعاصر بيروت لبنان الطبعة الولى 1423ه-2002م ص 169.
(26 (مالك بن نبى ، ميلد مجتمع ترجمة عبد الصبور شاهين دار الفكر دمشق-سوريا الطبعة الثالثة
1986م ص 37.
اضف تعليق لنستمر في جهدنا