بحث عن حياة الرسول

سيدنا محمد عليه السلام
بعث الله سيدنا محمد عليه السلام برسالة الإسلام الخالدة لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وتحقيق توحيد العبودية لله وحده، وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين. سوف نتطرّق باختصار إلى سيرته العطرة الخالدة المليئة بالمواقف والأحداث والمواعظ، لنتأمل كيف كانت حياته قبل وبعد البعثة، ومعجزاته، وحياته، وغزواته، وأهله، وأصحابه، حتى نستمدّ من سيرته العطرة الخالدة زاداً علّنا نستطيع الاقتداء بها حتى ننهض بحالنا الذي صرنا عليه اليوم.


سيرة الرسول عليه السلام، العهد المكي
سوف نُلقي الضوء على سيرة الرسول الأعظم بدءاً من مولده، ورعايته، ونزول الوحي، وأصحابه، وهجرته، وأهم ما يخص هذه السيرة العطرة التي تحتل الموقع الأول في تاريخنا الإسلامي، وسيظل أثرها ممتدٌّ مع امتداد رسالة الإسلام الخالدة.


مولده ورعايته
هو محمد بن عبد الله بن المطلب بن هاشم ، وُلد يتيم الأب في فجر يوم الإثنين، في الثاني عشر من ربيع الأول لعام الفيل، اختار له جده عبد المطلب اسم محمد، فلم يكن معروفاً ذلك الاسم عند العرب. كان من عادات العرب أن يلتمسوا المراضع لأولادهم حتى يشتدّ عودهم وتقوى أجسامهم مما يقيهم الأمراض، وينطقوا لسان العربية وهم في مهدهم، فبعثه جدّه عبد المطلب إلى قبيلة سعد بن بكر، وأرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب أو ما تعرف بحليمة السعديّة، وهكذا بقي الرّسول عليه السلام في ظل رعاية بني سعد حتى سن الرابعة أو الخامسة من مولده ، حتى وقعت حادثة شق الصدر.


اختلف المؤرّخون بحادثة شق الصخر إن كانت الحادثة حسيّة أو معنوية، ولكن خشيت عليه حليمة السعدية من هذه الواقعة فردّته إلى والدته آمنة حين بلغ ستّ سنوات، وأحبّت آمنة أن تزور قبر زوجها مع طفلها اليتيم محمد في مدينة يثرب، وقُدّرعليها الموت أثناء الرجوع من يثرب إثر مرضٍ لاحقها في الطريق ودُفنت هناك، وبهذا أصبح محمد يتيم الأم والأب، وانتقلت رعايته إلى جدّه عبد المطلب الذي كان حنوناً عليه محاولاً أن يعوّضه فقدان الأم والأب، وقيل إنّ جده كان يؤثره عن باقي أولاده ويميزه عليهم في مواقف عدة، حتى أكمل الرسول ثماني سنوات توفّي جده عبد المطلب، وانتقلت كفالته إلى عمه أبي طالب، الذي أحبه وأكرمه ورعاه وقدّمه عن باقي أبنائه وظلّ يُدافع عنه ويحميه ويصادقه حتى عند نزول الوحي على الرّغم من أنّه لم يُسلم.(1)


عمل الرسول عليه السلام
حين شبّ الرسول عليه السلام وأصبح في سنّ الثانية عشر، أراد أن يكسب قوت يومه بيده، وأن يساعد عمّه أبا طالب، فاشتغل في رعاية الغنم، لا شكّ أن هذه المهنة في طبيعة الصحراء أكسبته عدّة مهارات ساعدته أن يكون فيما بعد قائداً وإمام المرسلين، ثمّ أصبح يساعد عمه في أعمال التجارة في بلاد الشام، وكان يصطحبه عمه أبو طالب معه حتّى تعرف الراهب جرجيس على سيدنا محمد، وقال لعمّه إنّ هذا الغلام سيكون سيد المرسلين، وأنه تعّرف على ذلك من خلال علامات ظهرت حين أشرف سيدنا محمد دخول المدينة، وهي أن الشجر والحجر خرّوا ساجدين، كما توجد شكل التفاحة تحت منكبيه، وطلب من عمه أن يعيده لمكّة خوفاً عليه من اليهود. عاد الرسول عليه السلام إلى مكة وبقي يُتاجر في أسواق مكة القريبة والمحيطة واشتهر بأمانته وصدقه بالتجارة، وكان يكسب رزقه بيده ويساعد أعمامه. (2)


زواج الرسول عليه السلام بخديجة
بما أنه اكتسب شهرةً وسمعةً طيبةً أثناء عمله بالتجارة مع عمه، كان التجّار يوكلون إليه بتجاراتهم، وكان يعود إليهم بأرباح مضاعفة، فسمعت عنه خديجة بنت خويلد عن أمانته وبراعته في التجارة، وكانت خديجة بنت خويلد حينها امرأةً ذات نسب ومال وعقل، فاستأجرت الرسول عليه السلام مع خادمها ميسرة وأرسلته إلى تجارة في بلاد الشام وأكرمته أفضل ما يُعطى به التجار، وفعلاً حين رجع ميسرة من رحلته أخبرها عن بركة وأمانة هذا الرسول عليه السلام، كما أخبرها عن فضائل أخلاقه، فأسرت خديجة في نفسها أن يكون زوجاً لها على الرّغم أنّ عمرها أربعون سنة وكانت أرملة، وكان قد تقدّم لخطبتها أشراف مكة، ولكنّها رفضت وآثرت عليهم الرسول عليه السلام صاحب خمس وعشرين عاماً، ثمّ أرسلت صديقتها نفيسة تُفاتح الرسول عليه السلام بالموضوع، وقبل رسول الله بذلك، وتزوّجها الرسول عليه السلام وفق العادات السائدة في أشراف مكة، وأنجبت له القاسم، وعبد الله، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، مات بنوه في صغرهم ولكن بناته أدركن الإسلام. كان الرسول في هذه الفترة يحبّ التأمل والتفكر، وكانت خديجة تُساعده في ذلك. (3)


بناء الكعبة وقضية التحكيم
اضطرّت قريش إلى ترميم وبناء الكعبة بسبب الظروف التي تعرّضت لها الكعبة من تعدّي لصوص عليها، وتصدّع بنائها بسبب السيول المنجرفة، فقررت قريش تجديدها حرصاً على أهميتها، وقرروا أن لا يشارك في بنائها إلاً طيباً، وبالفعل بدأت قريش بتقسيم العمل على القبائل، وحين جاء دور وضع الحجر الأسود، اختلفوا فيما بينهم واستمر الخلاف خمس ليالٍ، حتى قرر أبو أميّة أن يُحكّموا أول من يدخل باب البيت، فشاء الله أن يكون الرسول عليه السلام، فلمّا رأوه رضوا وهللّوا الأمين محمد، فعرضوا عليه الأمر واقترح عليهم أن يضعوا الحجر الأسود على الرداء وأن تمسك جميع القبائل أطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، ثم أخذه الرّسول الكريم بيده، ووضعه في مكانه.(4)


النبوة والرّسالة
كان الرسول عليه السلام يحب التأمل والتفكرمنذ صغره ويذهب للخلاء يتأمل ويتفكّر بين الحين والآخر، ربّما اكتسب هذه المهارة حين كان يرعى البقر في الصحراء الخالية والطبيعة الملهمة هناك، وكلّما كبر كان يبتعد في مكان العزلة حتى التمس غار حراء في جبل النور، ليذهب ويخلو به بنفسه، يتمعّن، ويفكر، ويتأمّل، يأخد معه الزاد ويبقى جالساً هناك لمدة أيّام وكان يقيم فيه رمضان، يُمضي وقته في العبادة والتفكير فيما حوله، هذه العزله هيأته نفسيّاً حتى يستعد للأمر العظيم، وهو تشريف حمل الرسالة الأبدية لتغير وجهة الكون بكل الأبعاد.(5)
نزول الوحي حين بلغ الرسول عليه السلام سن الأربعين، بدأت علامات النّبوة تظهر وتلوح من خلال رؤى صادقة تتحقق جميعها، ثم فضّل المكوث في غار حراء طويلاً، ليبتعد فيه عن البشر، ويتهيأ للمهمة الكبيرة، فقد كان يتهجد فيه لفترات طويلة، حتى نزل عليه جبريل عليه السلام وهو في غار حراء فقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، يقول الرسول صلى الله عليه و سلم فغطني حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني، فقال: أقرأ، فقلت : ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: (اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) سورة العلق،1-5. فرجع الرسول عليه السلام إلى زوجته خديجة وقلبه يرتجف، وقال لها: زملّوني، فزملته، حتى هدأت نفسه، فأخبر خديجة بما حصل وقال لها :(لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة : كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنّك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)، ثم أخذته خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وأخبره الرسول عليه السلام بما حصل، فردّ عليه ورقة بن نوفل: هذا ناموس الوحي الذي أنزله الله على موسى، وبشره بأنّه سوف يكون نبي الأمة، ثم انقطع عنه الوحي أيّاماً، ثم عاود للنزول إليه جبريل مرةً ثانية وكانت في سبب نزول سورة المدثر.(5)
الدعوة السرية الفرديّة إلى الله: حين نزل الوحي على الرسول عليه السلام مرة ثانية، أمره بالقيام بعدة أوامر وردت في قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ* وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ *) سورة المدّثر،107 .
هنا أمر الله الرسول عليه السلام بالقيام بأمر الدعوة سراً واستمرت ثلاث سنوات في دار الأرقم، وكان مطلوبٌ منه أن ينذر الناس عن مخالفة أوامر الله، وأن يكبر الرب حتى لا يبقى فيها كبرياء إلاّ لله وحده، وأن يُطهّر الثوب ويهجر الرجز ويُقصد هنا بتزكية النفس وتطهيرها ظاهراً وباطناً، وعدم الاستمنان بجهوده وأفعاله، وطلب منه الصبر على الأذى الذي سوف يواجهه من المُعاندين من سخرية واستهزاء بأمر دعوته.(6)

عرض الرسول عليه السلام الدعوة في البداية على أهل بيته، والناس المحيطين به، وأصدقاؤه المقرّبون، وفي أول يوم من أيّام الدعوة أسلمت به من النساء زوجته خديجة بنت خويلد والتي كانت نعم المعين له في هذه الفترة، فناصرته وشدّت على أزره، ومن الشباب أسلم ابن عمه علي بن أبي طالب، وصديقه أبو بكر الصديق، ومولاه زيد بن حارثة. ثمّ تتابع إسلام بعض الصحابة سراً ، كانوا يجتمعون سراً مع الرسول عليه السلام في دار الأرقم، ويرشدهم إلى تعاليم الدين، ظلت الدعوة متخفّيةً ثلاث سنوات، أسلم فيها ثلاثةٌ وخمسون شخصاً بينهم عشرة نساء.(6)
الدعوة الجهريّة إلى الله وموقف قريش: جاء أمر الله إلى الرسول الكريم بأمر الدعوة الجهريّة العلنيّة إلى الله، وذلك بصدد الآية الذي تلقاها (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) سورة الشعراء،214 ، فبدأ الرسول عليه السلام وأصحابه بدعوة قومه وعشيرته إلى الله، فبدأ مع عمّه أبوطالب رفض تلبيته ولكن تعهد برعايته وحمايته من أذى قريش له، ثمّ صعد على جبل الصفا يدعو قبيلته قريش، ولم يتوان الرسول عليه السلام في نشر دعوته ليل نهار، ثم أصبح يدعو قريش في كل مكان في أسواقهم، ومواسم الحج، وأنديتهم، وفي كل تجمعاتهم، وكانت دعوته تشمل جميع الناس الأحرار، والعبيد، والأقوياء، والضعفاء، والأغنياء، والفقراء، ولكن الرسول عليه السلام وأصحابه واجهوا أقسى وأشد أنواع الظلم من قريش، فبدؤوا بالسخرية، والاستهزاء، والتكذيب، ونشر الشبهات عليهم، وساوموا الرّسول بالمال والجاه، وبدؤوا بالاعتداءات على النبي عليه السلام ثم أصبحوا يطالبون الرسول بالمعجزات حول نبوته، ويتّهموه بالسحر، وحين عجزت قريش بالمفاوضات السلميّة مع الرسول عليه السلام وأصحابه، اتخذت قريش أسلوباً آخر وهو التفنّن بأنواع الأذى، كانوا يلقون فضلات الحيوان أمام عتبة دار الرسول عليه السلام، كما كانوا يلقون فضلات الناقة وهو ساجدٌ يصلّي، وحاولوا خنقه بالثوب، حتى الصحابة لم يسلموا من تعذيبهم، وضربهم، وتقييدهم، وتهديدهم بالقتل.(7)

الهجرة إلى الحبشة
حين رأى الرسول عليه السلام أن صحابته لم يعد بمقدورهم حماية أنفسهم من قريش، اقترح الرسول عليه السلام أن يهاجروا إلى الحبشة، فهي أرض صدق وحاكمها النجاشي عادل لا يظلم أحداً، هاجر الصحابة بالبداية على دفعتين متلاحقتين، ولاقوا معاملةً حسنةً من أهل الحبشة، وكانت هذه تسمى بالهجرة الأولى.


بعد أن اشتدّ أذى قريش على الصحابة هاجرت مجموعة كبيرة متنوعة من عدة قبائل، فاستقبلهم أهل الحبشة أفضل استقبال وأكرموهم وعاشوا معهم بسلام، اشتغل المسلمون مع الأحباش في كل المجالات، وكانوا يمارسون شعائر دينهم بحرية. حاولت قريش بكيد المسلمين المهاجرين في الحبشة، فأرسلوا وفداً من قريش للنجاشي يمثله عمرو بن العاص فأخبر النجاشي أنّ المسلمين في الحبشة يسبون عيسى بن مريم، فأرسل النجاشي وتأكّد من صحة الكلام، ثم علم بكيدهم ، وأمّن المسلمون، وعاشوا بأمان حتى السّنة السابعة من الهجرة تمّ فتح خيبر فاستدعى الرسول مهاجري الحبشة بالعودة والاستقرار في المدينة.(8)


عام الحزن
توفي أبو طالب عم الرسول عليه السلام، وراعيه، وحاميه إثر مرض ألمّ به، حاول الرسول إقناعه بتوحيد الله، إلا أن أبي جهل كان بجانبه ومنعه من ذلك، وبعد وفاة أبي طالب بشهرين توفّيت السيدة خديجة رضي الله عنها في رمضان، وعمرها خمسٌ وستون سنة، فاجتمعت مصيبتان على رسول الله بفقدان عمّه الحامي وزوجته الجليلة التي شاركته، وواسته، ووقفت معه في أحلك الظروف.


استغلّت قريش وفاة عمه أبي طالب الذي كان يحميه ويتصدّى لهم، فتوالت عليه المصائب بهذا العام وتجرّؤوا عليه، ونكلوا به، وعذّبوه، حتى شعر باليأس، وتوجه إلى الطائف مشياً على قدميه ومكث فيها عشرة أيام يدعو الناس هناك، ولكن لم يستجب له أحد، ثمّ رجع إلى مكة مستجيراً بأحد سادة العرب، لأن قريش رفضت دخوله، في نفس عام الحزن تزوّج الرسول عليه السلام بسودة بنت زمعة، وكانت أوّل زوجة تزوّجها الرسول عليه السلام بعد وفاة خديجة.(9)


حادثة الإسراء والمعراج
بعد الحزن والهوان الذي أصاب الرسول عليه السلام في عام الحزن، دعاه ربّه إلى رحلة الإسراء والمعراج، ليطيب خاطره، ويهون عليه، ويريه قدر نفسه عند ربه، وهذه الرّحلة تُعتبر مُعجزةً من مُعجزات الرسول عليه السلام، ولكن كعادة قريش لم تُصدقه، واستهزؤوا به، ووصف لهم الرّسول بعض الذي رآه، ولكن لم تتوقّف قريش عن تكذيبه.(10)


بيعة العقبة الأولى
بقي الرسول عليه السلام يدعو لله وحده، ويُعرض دينه للقبائل دون كلل أو ملل، حتى بزغت علامات هدى لقوِم من الخزرج، كان الرسول قد دعاهم واستجابوا له، أسلموا ثمّ ذهبوا لقوم يثرب يدعون أهلهم للإسلام، وبالفعل استجاب بعضٌ من القوم وسرعان ما انتشر الإسلام في أهل يثرب، ثمّ توافد اثنا عشر رجلاً من أهل يثرب في موسم الحجّ وبايعوا الرسول على الإسلام، وسمّيت ببيعة العقبة الأولى، وأرسل الرسول عليه السلام مُصعب بن عمير يُعلّمهم أمور دينهم ويتلو عليهم القرآن، وبهذا نشر مصعب الدين الإسلامي في مُعظم أهل يثرب.(11)


بيعة العقبة الثانية
في موسم الحج التالي، أي السنة الثالثة عشرة من النبوّة، وفد بضعٌ وسبعون رجلاً وامرأتان من المسلمين مع مصعب، ليبايعوا الرسول عليه السلام عند العقبة، وسميت ببيعة العقبة الثانية أو بيعة العقبة الكبرى وسط مشاعر الولاء و الحب والتناصر بين المسلمين. منذ ذلك الوقت قرر الرسول والمسلمون أنّ أمر الهجرة إلى يثرب بات ضرورياً لحماية أنفسهم من كفار قريش، وتعهّدوا الأنصار بتوفير الحماية لهم.(12)


الهجرة
أذن الرسول لأصحابه بالهجرة إلى يثرب متسلّلين بالخفية خوفاً من قريش، وتوالت الهجرة شهرين كاملين حتى خلت مكة من المسلمين، ولم يبق فيها غير الرسول عليه السلام، وأبي بكر، وعلي بن أبي طالب، وبعض المستضعفين من المسلمين. تفاجأت قريش بأمر الهجرة، وحاولت المنع لكنها لم تستطع منعهم، فاجتمع سادة قريش في دار الندوة وقرّروا فيها قتل الرسول عليه السلام وحاصروا منزله، ولكن تدبير الله كان أجل، فأمر الرسول بالهجرة متخفّياً مع أبي بكر مرتدياً ثوباً إلى غار ثور، وحمى الله الغار بخيوط العنكبوت ، وعلي يرقد في سرير رسول الله، ثمّ اكتشفت قريش أن الرسول هاجر، وترك مكة، وبعثوا برجالهم يبحثون عنه في كل مكان، ولكن حماية الله، ونصرته، ومكره له كانت أعظم من ذلك، وتمت بعدها الهجرة إلى المدينة. (13)


انتشر خبر مجيء الرسول عليه السلام وصحابته بين أرجاء المدينة، وخرجت الأنصار لاستقباله مهلّلين مُكبّرين.


بناء المجتمع الإسلامي الجديد
تحولت المدينة المنورة بعد هجرة الرسول عليه السلام إلى مركز الإسلام، ومعقلاً للدعوة، وبدأ الرّسول عليه السلام بتأسيس دولة إسلامية ذات مبادئ قوية، فبَنى لحظة وصوله المدينة مسجد قباء وألقى أول خطبة جمعة فيها، ثمّ بنى المسجد النبوي لتقوية الصلة بالله وإظهار شعائر الله وأيضاً أن يكون مقراً للتشاور بينهم ، وآخى بين المُهاجرين والأنصار وأسقط الفوارق القبلية، والعرقية، واللون، والنسب، وجَعلهم أخوة في الله، ووقّع معاهدة بين الرسول، واليهود على السلم، ولكن اليهود أخلوا فيها، وأوحى الله للرسول عليه السلام بالأذان، فاختار بلال بن رباح مؤذناً للمسجد النبوي. (14)
المنافقون في المدينة: واجه الرسول عليه السلام اليهود الأعداء الذين أخلوا بالعقد، والمنافقين الذين يظهرون خلاف بواطنهم، وكانوا يكرهون الإسلام، بالإضافة إلى المشركين الذين هم أعداء الدين؛ كلّ هؤلاء كانوا يُحيطون به ويكيدونه خفيةً ممّا اضطر الرسول، وصحابته إلى قتالهم ليس حبّاً في القتال، ولكن للدّفاع عن النفس والعقيدة وحماية المدينة المنورة، فخاضوا عدة غزوات بقيادة الرسول، وخاضوا عدة سرايا دون قيادة الرسول، أشهر هذه الغزوات والسرايا (سرية عبيد بن الحارث، وسرية حمـزة بن عبد المطلب، وسريـة سعد بن أبي وقاص، وسـرية عـبد الله بن جحـش، وغـزوة ودان، وغـزوة بـواط، وغـزوة العشـيرة، وغـزوة سفـوان أو بـدر الأولى).(15)
تشريعات جديدة تمّ تحويل قبلة المسلمين من بيت المقدس إلى مكة المكرمة في العهد المدني، كما نزلت فريضة صيام رمضان، وزكاة الفطر، وأسنّ الرسول عليه السلام صوم عاشوراء ولاحقاً فُرضت الزكاة، بالطبع كل هذه التشريعات تحمل في طياتها حكم عديدة لتهذيب نفوس المسلمين. (16)،(17)
الغزوات: خاض الرّسول عليه السلام عدة غزوات للدفاع عن الدين، ونشر رسالة الإسلام في شتى بقاع الأرض في العهد المدني، وكان يأخذ مشورة أصحابه في كل غزوة، فكانت أوّل غزوة هي غزوة بدر، ثم تلتها غزوة أحد، وغزوة السويق، وغزوات لبعض القبائل حول المدينة، وغزوة بني سليم، وغزوة ذي أمر، وغزوة الفرع من بحران، ويوم الرجيع، وملحمة بئر معونة، وغزوة ذات الرقاع، وغزوة بدر الثانية، وغزوة حمراء الأسد، ثم غزوة الأحزاب أو الخندق، وغزوة بني قريظة، وفتح خيبر، وغزوة دومة الجندل، وغزوة بني المصطلق، وغزوة الغابة، وغزوة ذات الرقاع، ومعركة مؤتة، وغزوة فتح مكة، وغزوة حنين، وغزوة الطائف، وغزوة تبوك.(18)
الناس يعتنقون الإسلام أفواجاً، قضت غزوة فتح مكة على الوثنية وعبادة الأصنام قضاءً تاماً، وبينت الحق من الباطل، وأصبح الناس يدخلون في دين الله أفواجاً وأصبحوا يتوافدون على الرسول عليه السلام لاعتناق الإسلام والتعرف عليه، وتوحدت القبائل على توحيد الله، وتحققت العدالة الإنسانية وانتشرت القيم الإسلامية في كل مكان. (19)
عمرة القضاء: توجه الرسول عليه السلام مع ألفين من أصحابه لأداء مناسك العمرة في السنة السابعة من الهجرة، وأقام فيها ثلاثة أيام، وتزوج بالسيدة ميمونة بعدها، وعاد مسروراً إلى المدينة بما أكرمه الله.(20)
حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة، خرج الرسول عليه السلام ومعه جميع نسائه إلى الحج مع تسعين ألفاً من الصحابة، والمسلمون ليؤدّوا مناسك الحج لأول مرة وخطب خطبة الوداع المشهورة في يوم عرفة دعا فيها إلى تحريم قتل النفس وتحريم أكل الربا، وتحريم الظلم بين الناس، واستوصى بالنساء خيراً. ثم أكمل شعائر الحج، وعلم الناس فريضة الحج، ثم توجّه إلى المدينة.(21)

وفاة الرسول عليه السلام
توفي الرسول عليه السلام في الثاني عشر من ربيع الأول في السنة الحادية عشرة للهجرة، وعمره ثلاث وستون سنة، وكان جالساً في حجر السيدة عائشة بعد أن استأذن من السيدة ميمونة أن يبقى في بيت عائشة، وشكى من ثقل في رأسه وطلب منها أن يستاك، وأصبح يردّد بل الرفيق الأعلى. وهكذا فارق الرسول الأعظم الحياة بعد أن بلغ الدعوة ونشر الرسالة وأسّس مجتمعاً مبنياً على أسس العقيدة وجاهد في الله حق جهاده. اختلفت ردات فعل الصحابة على موت النبي العظيم، ولكن أخذ أبو بكر الصديق بتهدئتهم، وتلاوة بعض الآيات.(22)


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -